الآيات: " 11 لما كانَ إسرائيلُ غلامًا أحببتُهُ، ومن مِصرَ دَعوْتُ ابني."
مقارنة مع متى 2 " 15 وكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي."
الاعتراض: إن النصوص الكتابية تبين بوضوح، أن المسيح الآتي، سيدعى عبد الرب، ويدعى أيضًا إسرائيل: " 3 وَقَالَ لِي: أَنْتَ عَبْدِي إِسْرَائِيلُ الَّذِي بِهِ أَتَمَجَّدُ ...6 .. فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُوراً لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أشعياء 49) وشعار أن المسيح هو النور لجميع الأمم، هو شعار قائم في كتاب أشعياء ومعروف، يبدأ بتقديمه في أشعياء 9: 2؛ وهي الآية التي استشهد فيها متى 24 " 16 الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا، وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ"؛ ومن ثم يربطه أشعياء بالمسيح بالآيات المعروفة "6 لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلاَمِ. 7 لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا." (أشعياء 9). إذًا يوضح أشعياء فيما بعد (في أصحاح 49 أعلاه)، أن المسيح هو إسرائيل، وأيضًا سيكون مُكمِّل لشعب إسرائيل، أي شعب الرب؛ لأنهم فيما بعد سيكونون جسده، وجزء منه؛ أي كنيسته (أفسس 1: 22-23). كما تشير نبوات أشعياء؛ لذلك يدعوه هو إسرائيل، في الوقت الذي يدعوا به شعبه إسرائيل الله أيضًا، وذلك في نفس العهد الجديد، يهودًا وأممًا؛ في غلاطية 6 " 16 فَكُلُّ الَّذِينَ يَسْلُكُونَ بِحَسَبِ هذَا الْقَانُونِ عَلَيْهِمْ سَلاَمٌ وَرَحْمَةٌ، وَعَلَى إِسْرَائِيلِ اللهِ". إذًا يُظهر الوحي باستخدامه لهذه الصيغة، أن المسيح هو ممثل إسرائيل، دقة متناهية في ربط النبوات معًا، لم يفهمها إنسان الله في القديم؛ لكنه يوضحها بعدما يظهر المسيح؛ والذي كان غاية جميع ما هو مكتوب في الكتب (رومية 10: 4). فلا يوجد أي خطأ في استشهاد متى إطلاقًا، بل بالعكس، يظهر إعجازًا غيبيًا عن معنى كل ما هو مكتوب عن المسيح.
باسم ادرنلي
الآيات: " 16 تُجَازَى السَّامِرَةُ لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا. بِالسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ وَالْحَوَامِلُ تُشَقُّ"
أيضًا أشعياء 13 "16 وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ."
الاعتراض: ما هذا التوحش، تحطم الأطفال وتُشق الحوامل؟؟ هل يعقل أن يكون هذا كتاب من الله، ويأمر بوحشية كهذه؟؟
الرد: إن كلا النصين أعلاه، لا تعبر عن أمر الله أو حتى إرادته أو مشيئته؛ بالعكس، نرى في النصين الله يحذر الشعوب من الشر الآتي عليهم لكي لا يصيبهم أو لكي يحميهم منه. فالشر المذكور في النصين هو ليس من الله إطلاقًا، بل من الأشوريين في نص هوشع ومملكتا بابل ومادي وفارس في نص أشعياء. في النص الأول، الله يحذر شعب إسرائيل في المملكة الشمالية، بأنهم إذا تمادوا في عبادة الأوثان واستمروا برفض نداءات الأنبياء لهم بالتوبة؛ وذلك بعبارة " لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا "؛ فسيأتي وقت فيه الله سيرفع حمايته عن شعبه، فيسلموا ليد الأشوريين الأشرار، فيأتي الأشوريين ويحطموا أطفالهم، ويشقوا النساء الحوامل من الشعب. أما النص الثاني، فالله فيه أيضًا فيه يحذر البابليين، لأن الله سيدينهم على شرهم؛ وذلك قبل حدوث الأمر بـ 150 سنة على الأقل. يكمن هذا التحذير في الآية 11 من نفس فصل أشعياء 13: " وَأُعَاقِبُ الْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى إِثْمِهِمْ وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَأَضَعُ تَجَبُّرَ الْعُتَاةِ". لكن طبعًا ليس الله الذي سيفعل هذا الشر؛ بل سيرفع يد الحماية عنهم، ليأتي الفارسيين والماديين (وهم الأكراد اليوم) ويحطموا أطفالهم ويفضحوا نسائهم؛ فيقول الرب:
"17 هَئَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ الْمَادِيِّينَ الَّذِينَ لاَ يَعْتَدُّونَ بِالْفِضَّةِ وَلاَ يُسَرُّونَ بِالذَّهَبِ 18 فَتُحَطِّمُ الْقِسِيُّ الْفِتْيَانَ ولاَ يَرْحَمُونَ ثَمَرَةَ الْبَطْنِ. لاَ تُشْفِقُ عُيُونُهُمْ عَلَى الأَوْلاَدِ. 19 وَتَصِيرُ بَابِلُ بَهَاءُ الْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ الْكِلْدَانِيِّينَ كَتَقْلِيبِ اللَّهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ. 20 لاَ تُعْمَرُ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ تُسْكَنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ وَلاَ يُرْبِضُ هُنَاكَ رُعَاةٌ." أشعياء 13.
جدير بالذكر أيضًا أن النصين يصوران شيئًا هامًا عن طبيعة الله؛ وهي كم هو إله عادل ليس عنده تمييز في القضاء بين شعبه الموحِّد وباقي الشعوب الوثنية. فيتعامل مع شعبه (كما في النص الأول) بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع باقي الشعوب (مع البابليين في النص الثاني). وهذا يظهر لنا كم هو عادل وإله حق؛ فلم ينصر شعبه صالحًا وطالحاً، بل قاضاهم وعاقبهم بالرغم من أنهم شعب موحد، بنفس الطريقة التي عاقب بها باقي الشعوب الوثنية. وهذا يعلم المؤمنين بأننا يجب أن لا نميز في القضاء والحق بين المؤمن والكافر.
شرح موسع:
إن الله لا يفعل الشر بل يأذن أحيانًا به، لأنه أعطى الإنسان إرادة حرة أدبية ليختار. فالكتاب المقدس يميز بين مبدئين هامين بخصوص الحدث الذي يحدث في حياة الإنسان: إذن الله ومشيئة الله. فلا شيء يحدث في العالم دون أن ياذن الله بحدوثه؛ كما يقول في متى 10: " 29 أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ (أي بدون إذن الله)". لكن هناك أشياء هي ليست بحسب مشيئته، لكنه بسبب الإرادة الحرة التي استأمن الإنسان عليها، يأذن أو يسمح بحدوثها. مثلا عندما يقتل مجرم شخص بريء؛ هذا ليس بحسب مشيئة الله، لكن الله يأذن به أحيانًا، لأنه أعطى الإنسان إرادة حرة أدبية، سواء استخدمها للشر أم للخير. كما قال لشعبه: " 15 «اُنْظُرْ، قَدْ جَعَلتُ اليَوْمَ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالخَيْرَ وَالمَوْتَ وَالشَّرَّ ... 19... قَدْ جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ. البَرَكَةَ وَاللعْنَةَ. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لِتَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" تثنية 30. فعندما يختار الإنسان الشر، الله يأذن أحيانًا بحدوثه؛ لكنه ليس بحسب مشيئته الصالحة للإنسان؛ فإرادة الله أو مشيئتة ليس فيها أي شر؛ بل هي صالحة وكاملة ومرضية للإنسان ولله؛ كما قال في رومية 12: " 2 وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ". وهذه الإرادة الصالحة، تكمن في اختيار الإنسان للخطة التي أعدها الله لإنقاذ الإنسان، عندما يختار قبول يده الممتدة له، خلال كفارة المسيح؛ ويعيش خيارات مبنية على المحبة في كل حياته؛ كما يؤكد الوحي: " 23 وَهَذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِاسْمِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً" 1 يوحنا 3.
لتفسير الفرق بين الإذن والمشيئة، سنأخذ مثالاً كثيرًا ما يختبره الآباء. فعندما يُصر الابن مثلا على الارتباط بفتاة غير مناسبة له، بحسب نظرة الأب؛ ويحاول أقناعه وتفهيمه عن الأسباب. فبعد إصرار الابن على عدم السماع لنصيحة أبوه، ربما يأذن الأب للابن بأن يرتبط بها؛ لكن إذنه هذا، لا يجسد مشيئة وإرادة الأب لإبنه. بل يوافق على الزواج، لأن الأب قد أعطى ابنه إرادة حرة ليختار شريكة حياته، وليس لأنه موافق فعلا على خيار ابنه. وخيار ابنه لا يجسد مشيئة أبوه، بالرغم من أن أبوه أذن له بأن يرتبط بها. هكذا الفرق بين إذن الله ومشيئة الله.
باسم ادرنلي