الآيات: "14 فَأَمَرَ الْمَلِكُ أَنْ يَعْمَلُوا هكَذَا، وَأُعْطِيَ الأَمْرُ فِي شُوشَنَ. فَصَلَبُوا بَنِي هَامَانَ الْعَشَرَةَ. 15 ثُمَّ اجْتَمَعَ الْيَهُودُ الَّذِينَ فِي شُوشَنَ، فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ عَشَرَ أَيْضًا مِنْ شَهْرِ أَذَارَ، وَقَتَلُوا فِي شُوشَنَ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُل، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى النَّهْبِ. 16 وَبَاقِي الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي بُلْدَانِ الْمَلِكِ اجْتَمَعُوا وَوَقَفُوا لأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ وَاسْتَرَاحُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْ مُبْغِضِيهِمْ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ أَلْفًا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى النَّهْبِ. 17 فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ أَذَارَ. وَاسْتَرَاحُوا فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ عَشَرَ مِنْهُ وَجَعَلُوهُ يَوْمَ شُرْبٍ وَفَرَحٍ" أستير 9.
الاعتراض: كيف يصدر مردخاي قرار بالقتل والنهب؛ وبعدها يعيد اليهود في عيد كهذا دموي، فيه يقتلوا 75 ألف من أعدائهم؛ هل يقبل إلهك أن يُعيِّد شعب على موت الأخرين؟
الرد: أكيد الله لا يسر بموت أي أحد، وحتى لو كان شريرًا. وذلك بحسب تعاليم العهد القديم ذاته، حيث قال:
"23 هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟" حزقيال 18.
طبعًا ما نراه في الرواية، هو الآتي:
* لقد أصدر الملك أحشويروش ملك مادي (كردستان) وفارس، قرارًا بإبادة اليهود، دون أن يدرك هذا.
* كان هذا القرار كنتيجة لكلام هامان رجله الأول، الملتوي والغامض الذي لا يذكر من هو الشعب الذي يقصده، بل يذكر أنهم يتبعون أنظمة مضادة لقوانين الملك، وهذه أكذوبة!
"8 فَقَالَ هَامَانُ لِلْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ: «إِنَّهُ مَوْجُودٌ شَعْبٌ مَّا مُتَشَتِّتٌ وَمُتَفَرِّقٌ بَيْنَ الشُّعُوبِ فِي كُلِّ بِلاَدِ مَمْلَكَتِكَ، وَسُنَنُهُمْ مُغَايِرَةٌ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ، وَهُمْ لاَ يَعْمَلُونَ سُنَنَ الْمَلِكِ، فَلاَ يَلِيقُ بِالْمَلِكِ تَرْكُهُمْ" أستير 3.
* فوثق الملك بكلام هامان، ووافق الملك على هذه الجريمة وأصدر أمرًا بإبادتهم، دون أن يدرك حيثيات الأمر (أستير 3: 13).
* وبعدها عندما اكتشف الملك أن هامان خدعه؛ تطلب الملكة أستير من الملك الرجوع عما كتبه هامان (8: 5) "לְהָשִׁ֣יב". وهذا الدليل الأول أنه لم تكن لدى اليهود أي رغبه لا للحرب ولا للقتال ولا لإيذاء أي أحد!
* نرى أن الملك بالعدد 8، يطلب من مردخاي وأستير بأن يكتبا ما يريدا ما عدا قرار الرجوع عن القرار بإبادة اليهود؛ لأن في قانونه الأمر الملكي لا يُنْسخ: "أَنَّ الْكِتَابَةَ الَّتِي تُكْتَبُ بِاسْمِ الْمَلِكِ وَتُخْتَمُ بِخَاتِمِهِ لاَ تُرَدُّ" (ع 8).
* لذلك كان الخيار الوحيد الذي أمام اليهود، هو أن يدافعوا عن أنفسهم أمام المتعدين عليهم، وهذه لم تكن رغبة أستير ومردخاي ولا اليهود إطلاقًا.
الأمر الملكي لم يكن قرار مردخاي:
أما القرار الذي ادعا المعترض أنه كان قرار مردخاي، فإذا دققنا في الأحداث، نكتشف أنه لم يكن قراره. بل جزء منه قراره، وجزء قرار الملك.
أولا: نرى من طلب أستير الأول، أنهم طلبوا فقط إلغاء قرار الإبادة وليس أن يعطوا أمرًا بقتال من يعاديهم! والقرار الذي اعتمده الناقد، لا يبين فيه بوضوح هل هذا كان قرار مردخاي بشكل كامل أم الملك الذي أعاد سنه؛ لكن الواضح أنه قرار دفاعي وليس هجومي، أنتبه لتفسير عبارتين فيه:
"11 الَّتِي بِهَا أَعْطَى الْمَلِكُ الْيَهُودَ فِي مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَيَقِفُوا لأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ (أي يدافعوا عن أنفسهم)، وَيُهْلِكُوا وَيَقْتُلُوا وَيُبِيدُوا قُوَّةَ كُلِّ شَعْبٍ وَكُورَةٍ تُضَادُّهُمْ ("הַצָּרִ֥ים אֹתָ֖ם"، أي الذي يعتدون عليهم) حَتَّى الأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ، وَأَنْ يَسْلُبُوا غَنِيمَتَهُمْ" أستير 8.
ثانيًا: وحتى لو قلنا أنه كان أمر كتبه مردخاي. نرى من الأحداث أنه كانت حرب اضطرارية فقط للذين يعتدون عليهم كما رأينا سابقًا. وتوضح هذه القضية آية أخرى في الفصل الذي يليه: "لِيَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى طَالِبِي أَذِيَّتِهِمْ" (ع 9: 2).
ثالثًا: أحد النقاط التي تبرهن أن القرار النهائي كان قرار الملك وليس مردخاي؛ هي أن اليهود لم يطبقوا كل الأمر، بل تخلفوا عن جزء منه. حيث كان أمر هامان أن يباد اليهود و"أَنْ يَسْلُبُوا" أيضًا (أستير 3: 13)؛ والقرار الذي أصدره الملك، أعطى الحق لليهود أيضًا "أَنْ يَسْلُبُوا غَنِيمَتَهُمْ" (أستير 8: 11). لكن نرى أنهم لم يمدوا أيديهم إلى غنائم إطلاقًا: "وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى النَّهْبِ" (أستير 9: 10 و15 و16).
وبهذا يبرهن أنه على الأرجح لم يكن الأمر قرار لمردخاي. فلو كان قراره، لما كان سيكتب فيه بند سلب غنائم المعادين لهم، ويشدد على عدم تطبيقه (حيث شدد الوحي على هذا الأمر، بذكره ثلاث مرات!)!
رابعًا: نرى أيضًا جزئية إضافية من الأمر لم يطبقها اليهود، وهي قتل "حَتَّى الأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ" (استير 8: 11). فإذا قرأنا أحداث الحرب الدفاعية التي خاضوها، نتأكد أنهم هذا أيضًا لم يطبقوا هذا البند من أمر الملك. بل مدوا أيديهم إلى الرجال فقط:
"6 .. وَأَهْلَكُوا خَمْسَ مِئَةِ رَجُل ... 10 عَشَرَةَ، بَنِي هَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا عَدُوِّ الْيَهُودِ، قَتَلُوهُمْ وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى النَّهْبِ... 15 .. وَقَتَلُوا فِي شُوشَنَ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُل، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى النَّهْبِ. 16 وَبَاقِي الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي بُلْدَانِ الْمَلِكِ اجْتَمَعُوا وَوَقَفُوا لأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ وَاسْتَرَاحُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْ مُبْغِضِيهِمْ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ أَلْفًا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى النَّهْبِ." أستير 9.
خامسًا: وقف مع اليهود الكثير من القادة في مادي وفارس؛ فلم يخض اليهود الحرب وحدهم:
"3 وكُلُّ رُؤَسَاءِ الْبُلْدَانِ وَالْمَرَازِبَةُ وَالْوُلاَةُ وَعُمَّالُ الْمَلِكِ سَاعَدُوا الْيَهُودَ، لأَنَّ رُعْبَ مُرْدَخَايَ سَقَطَ عَلَيْهِمْ" أستير 9.
وعلى الأرجح أن يكون العدد الذي قتله اليهود هو فقط 800 شخص. 500 رجل (أستير 9: 6 و12) + 300 رجل (أستير 9: 15) الرقمين الوحيدين المذكورين، والمنسوبين لليهود. وباقي الـ 75 ألف، قتلوا على يد "رُؤَسَاءِ الْبُلْدَانِ وَالْمَرَازِبَةُ وَالْوُلاَةُ وَعُمَّالُ الْمَلِكِ سَاعَدُوا الْيَهُودَ"، كما تقول الآية السابقة.
وانتهى السفر بهذه النهاية المأساوية الدموية، التي لم يختارها اليهود لأنفسهم. لكن لا يذكر أنهم قتلوا نساء وأطفال ولا يذكر أن اليهود قتلوا أكثر من 800 رجل. ومرة أخرى، لم يكن قرار الحرب هذه لمردخاي. لأنه خالف بندين في أمر الملك. بالإضافة للسلب الذي لم يفعلوه؛ أيضًا لم يقتوا نساء أو أطفال، كما يقول أمر الملك.
وطبعًا كل هذا النهج مرفوضًا بشكل تام، بحسب تعاليم العهد الجديد. الذي فيه رفع المسيح المعايير الخلقية والإنسانية لأعلى المستويات؛ حيث قال:
"43 سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" متى 5.
"19 لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. 20 فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». 21 لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ" رومية 12.
باسم أدرنلي