الآيات: " 10 ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَخَذَ حَاصُورَ وَضَرَبَ مَلِكَهَا بِالسَّيْفِ, لأَنَّ حَاصُورَ كَانَتْ قَبْلاً رَأْسَ جَمِيعِ تِلْكَ الْمَمَالِكِ. 11 وَضَرَبُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمُوهُمْ. وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ. وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِالنَّارِ. 12 فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ مُدُنِ أُولَئِكَ الْمُلُوكِ وَجَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمَهُمْ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ. 13 غَيْرَ أَنَّ الْمُدُنَ الْقَائِمَةَ عَلَى تِلاَلِهَا لَمْ يُحْرِقْهَا إِسْرَائِيلُ, مَا عَدَا حَاصُورَ وَحْدَهَا أَحْرَقَهَا يَشُوعُ. 14 وَكُلُّ غَنِيمَةِ تِلْكَ الْمُدُنِ وَالْبَهَائِمَ نَهَبَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا الرِّجَالُ فَضَرَبُوهُمْ جَمِيعاً بِحَدِّ السَّيْفِ حَتَّى أَبَادُوهُمْ. لَمْ يُبْقُوا نَسَمَةً. 15 كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى عَبْدَهُ هَكَذَا أَمَرَ مُوسَى يَشُوعَ, وَهَكَذَا فَعَلَ يَشُوعُ. لَمْ يُهْمِلْ شَيْئاً مِنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ مُوسَى."
الاعتراض: لماذا تحرق المدينة بالنار، ولماذا يُقتل كل الساكنين فيها؟؟ ما هذه الوحشية؟!!
الرد: كما سبق وعقبنا تحت 6: 24 من نفس السفر، إن واحدة من أهم الأخطاء التي يعاني منها الكثير من النقاد، هي أنهم يعتبرون أن حقوق الله مساوية تمامًا لحقوق البشر!! فيفترضون أنه بما أنها جريمة لإنسان أن يقتل إنسان آخر، إذًا هي جريمة لله أن يأخذ حياة البشر!!! لكن لله الحق أن يعطي الحياة، وأن يأخذها أيضًا: "10 الَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ الْبَشَرِ" (أيوب 12) "21.. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا" (أيوب 1).
لكن تثير تلك المعضلة الصعبة في هذا الجدل، تساؤلين جوهريين:
كيف نتأكد أن الله وراء هذه الأفعال فعلاً، وليس مجرد ادعاء من يشوع؟؟
وكيف يسمح الله بفعل بشع كهذا؟؟
وهاذان السؤالان يجيبهما الوحي بشكل مؤكد مئة بالمئة، فالله كما علقنا سابقًا، أيد أنه شخصيًا وراء إدانة الشعوب في أرض كنعان، بشكل لا يقبل أي شي؛ وأكد أنه يستخدم يشوع وشعب الله ليفعل هذا. فلقد أيد الله هذا بمعجزات صارخة وعظيمة، لم يستطع أن ينكرها حتى الذين أجرى الله عليهم قضاءه. فقبلها فقط بإصحاح، نرى تأييد الله الواضح لهذه العملية ووقوفه ورئها؛ فأمطر الرب بنفسه حجارة عظيمة من السماء، ليبيد خمس ملوك وجيوشهم في حرب مع بني إسرائيل: ملوك أورشليم، حبرون، يرموت، لخيش، وعجلون: " 11 وَبَيْنَمَا هُمْ هَارِبُونَ مِنْ أَمَامِ إِسْرَائِيلَ وَهُمْ فِي مُنْحَدَرِ بَيْتِ حُورُونَ, رَمَاهُمُ الرَّبُّ بِحِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى عَزِيقَةَ فَمَاتُوا. وَالَّذِينَ مَاتُوا بِحِجَارَةِ الْبَرَدِ هُمْ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالسَّيْفِ." يشوع 10. ففي سفر يشوع، نرى الله يؤكد قضائه بشكل لا يقبل أي شك كما قلنا، لأنه يتعلق بمصير شعوب. فلم يسمح الله أن يأتي نبي ويدعي بأن الله أمره بأن يحارب الكفار، دون تأكيد واضح وضوح الشمس، أمام شعبه وحتى الشعوب التي أجري عليهم الله قضاء (راجع يشوع 2: 9-11)؛ لكي يعرفوا جميعًا أن هذه هي يده وليست يد بشر.
أيضًا هذه كانت حالة خاصة بإرشاد إلهي لا نعرف سببه؛ لذلك لم يستخدم حرق المدينة مثلا مع باقي المدن؛ ويؤكد على هذا نفس النص أعلاه: "13 غَيْرَ أَنَّ الْمُدُنَ الْقَائِمَةَ عَلَى تِلاَلِهَا لَمْ يُحْرِقْهَا إِسْرَائِيلُ, مَا عَدَا حَاصُورَ وَحْدَهَا أَحْرَقَهَا يَشُوعُ".
لمزيد من الفهم، ارجع لتعليقنا تحت 6: 24 من نفس السفر
باسم ادرنلي
الآيات: "21 وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ"
الاعتراض: كيف يطلب الله أن يقتل رجل وامراة من طفل و شيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف! هل يعقل هذا؟؟
الرد: إن إن العهد القديم يصور لنا مدى قداسة الله وموقفه العادل أمام الشر، خاصة عبادة الأوثان. فنرى في خلال حالات كثيرة، الله أمر بإبادة الجميع، بما ضمنهم النساء والأطفال. لفهم هذه المبادئ، نحتاج أن نفهم الآتي:
أولا: دينونة سكان أرض كنعان ليس هو بداية القصة لولادة شعب للرب يهوه، شعب إسرائيل. بل بدأ بدينونة قاسية على أرض مصر وعلى جميع آلهاتها (خروج 12: 12 وخروج 6-12). وبعدها دينونة شعبه في البرية، لدرجة أن الله ترك جيل كامل في البرية ولم يدخله الأرض المقدسة!
"35 لَنْ يَرَى إِنْسَانٌ مِنْ هؤُلاَءِ النَّاسِ، مِنْ هذَا الْجِيلِ الشِّرِّيرِ، الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ الَّتِي أَقْسَمْتُ أَنْ أُعْطِيَهَا لآبَائِكُمْ" تثنية 35.
والآن نأتي للفصل الثالث من الرواية، وهو دينونة الشعوب الذين في أرض كنعان، الذي سبق الله وأنبأ عبده إبراهيم عنهم قبل 600 مئة عام!!
"16 وَفِي الْجِيلِ الرَّابعِ (من تغرب شعب إسرائل في مصر) يَرْجِعُونَ إِلَى ههُنَا، لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلاً" تكوين 15
يا له من إله مجيد عظيم طويل الروح وكثير الرحمة؛ كيف ينتظر على شر الشعوب 600 عام!!؟؟ ونحن نرى ما يبدو لنا من قسوة اليوم، ولا ندرك كم الله انتظر عليهم ولم يتوبوا!!
ثانيًا: إن قضاء الله الذي أمر به موسى للشعب، ليس له علاقة بنشر دين أو آلية توسع لشعب الله ضد الكفار، كما تعلم ديانات أخرى. بل مرتبط بعقاب الله لشعوب أرض كنعان، بسبب خطاياهم. لذلك قال الله لموسى في عدد 12 "وَبِسَبَبِ هذِهِ الأَرْجَاسِ، الرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ" (راجع تثنية 18: 9-12). فلم تكن دعوة لنشر دين، لأن الله لا يحتاج لفتوحات ليفعل هذا، فالله فعل هذا بقوته المعجزية فقط دائمًا، فهو الله كلي القدرة!
ثالثًا: إن واحدة من أهم الأخطاء التي يعاني منها الكثير من النقاد، هي أنهم يفترضون أن حقوق الله مساوية تمامًا لحقوق البشر!! فيظنون أنه بما أنها جريمة لإنسان أن يقتل إنسان آخر، إذًا هي جريمة لله أن يأخذ حياة البشر!!! لكن لله الحق أن يعطي الحياة، وأن يأخذها أيضًا:
"10 الَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ الْبَشَرِ" أيوب 12
"21.. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا" أيوب 1
وهاذا يقودنا للنقطة القادمة التي تجيب على أهم سؤال:
ما الذي يؤكد أن الله هو من أمر شعبه بهذا القضاء فعلا، وليس مجرد ادعاء بشر؟؟
رابعًا: نرى من النصوص أن الله أكد لشعبه ولجميع الشعوب أنه هو شخصيًا وراء هذه العملية. وذلك بالمعجزات، فيبس مياة نهر الأردن من أمام يشوع والشعب، لكي يعبروا دون أن يبلوا أرجلهم:
"10 ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ: «بِهَذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ الْحَيَّ فِي وَسَطِكُمْ، وَطَرْداً يَطْرُدُ مِنْ أَمَامِكُمُ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ.." (راجع يشوع 3: 10-17).
ليعلم الشعب وباقي الشعوب، خاصة أهل كنعان أنفسهم، أن القضية هي ليست أن يشوع أتى وادعى أن الله أمره أن يحارب الكفار دون أي دليل مرئي لشعبه ولباقي الشعوب. ويؤكد على هذا، قول أحد نساء أريحا الوثنيات، للاسرائيليين اللذين أتيا ليستكشفا الأرض: "9 ... «عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ الأَرْضَ، وَأَنَّ رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا، وَأَنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ الأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ، 10 لأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا كَيْفَ يَبَّسَ الرَّبُّ مِيَاهَ بَحْرِ سُوفَ قُدَّامَكُمْ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْر ..." يشوع 2.
فالله أكد شخصيًا لجميع الشعوب دينونته لشعوب أرض كنعان، لأن القضية تختص بمصير شعوب ولا تحتمل أي شك أو ادعاءات غير مبرهنة.
خامسًا: الله حدد لشعب إسرائيل الأرض بالتدقيق؛ لأن دخولهم لها، كان مرتبط بعقاب شعوب الأرض وليس بآلية احتلال وتوسع. فقال لهم قبل دخول الأرض:
"4 وَأَوْصِ الشَّعْبَ قَائِلاً: أَنْتُمْ مَارُّونَ بِتُخُمِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سَعِيرَ (قرب الخليل) فَيَخَافُونَ مِنْكُمْ. فَاحْتَرِزُوا جِدّاً. 5 لا تَهْجِمُوا عَليْهِمْ. لأَنِّي لا أُعْطِيكُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَلا وَطْأَةَ قَدَمٍ ... 9 «فَقَال لِي الرَّبُّ: لا تُعَادِ مُوآبَ (الكرك) وَلا تُثِرْ عَليْهِمْ حَرْباً لأَنِّي لا أُعْطِيكَ مِنْ أَرْضِهِمْ مِيرَاثاً.." تثنية 2 (إرجع لسفر يشوع 15، هناك وصف دقيق لحدود الأرض التي سمح الله لشعب إسرائيل أخذها). فلم يدعوهم الله للقتال والتوسع غير المحدود لينشروا دينه كما لدى الحركات الدينية الزائفة.
سادسًا: الله ليست له معايير مزدوجة فتعامل مع شعبه كما تعامل مع شعوب أرض كنعان. فأوصى أيضًا موسى الشعب أن يستخدموا نفس معايير الدينونة على أنفسهم، كباقي الشعوب؛ إذا خرج عبدة أوثان يهود منهم في أي مدينة في وسطهم:
"12 إِنْ سَمِعْتَ عَنْ إِحْدَى مُدُنِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَسْكُنَ فِيهَا قَوْلاً: 13 قَدْ خَرَجَ أُنَاسٌ بَنُو لَئِيمٍ مِنْ وَسَطِكَ وَطَوَّحُوا سُكَّانَ مَدِينَتِهِمْ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا....15 فَضَرْبًا تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ" تثنية 13.
وهذا أكبر دليل قاطع على أن الله فعلا أمر بهذه الأحكام. لأن الديانات الزائفة عادة لا تطبق على ذاتها نفس الأحكام التي تطبقها على باقي الشعوب ذات الديانات الأخرى. بل تميل إلى تمييز ذاتها، ووضع ذاتها فوق الحساب والرقابة، ونعم "الله" عليها صالحة أم طالحة، لأنه ليس لله علاقة بها أصلا!! فحاشا أن يكون الله هكذا، بل هو عادل وكامل، ليس عنده تمييز أو محاباه بين شعبه وباقي الشعوب.
سابعًا: عندما لم يطع شعب إسرائيل الله، أوقف تلك العملية وقال لشعبه، أنه سوف لا يطرد باقي الشعوب من الأرض ولن يسمح لهم بأن يمسوهم منذ تلك اللحظة؛ لأن طردهم وتحريمهم لم يكن هدف بحد ذاته. وعندما تغيرت الخطة، بسبب تمرد شعب إسرائيل، ألله أعلن لشعبه أنه غيرها، بأن ملاكه شخصيًا وقف أمام جميع الشعب وكلمهم بهذا الأمر:
"1 وَصَعِدَ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ الْجِلْجَالِ إِلَى بُوكِيمَ وَقَالَ: «قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمْتُ لآِبَائِكُمْ, وَقُلْتُ: لاَ أَنْكُثُ عَهْدِي مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ. 2 وَأَنْتُمْ فَلاَ تَقْطَعُوا عَهْداً مَعَ سُكَّانِ هَذِهِ الأَرْضِ. اهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي. فَمَاذَا عَمِلْتُمْ؟ 3 فَقُلْتُ أَيْضاً: لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ بَلْ يَكُونُونَ لَكُمْ مُضَايِقِينَ، وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ لَكُمْ شَرَكاً». 4 وَكَانَ لَمَّا تَكَلَّمَ مَلاَكُ الرَّبِّ بِهَذَا الْكَلاَمِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الشَّعْبَ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكُوا" قضاة 2.
فلم يأت يشوع مرة أخرى مدعيًا بأن الله أمره أن لا يطرد الشعوب فقط؛ أو أن ملاك الرب ظهر له وقال له هذا!! بل أكد الله هذا بشكل معجزي أمام جميع الشعب بواسطة ملاكه مباشرة!! فليس لتلك الأحكام أي وجود قانوني بعد ذالك، ولا يجوز أن تستخدم كقاعدة فيما بعد أبدًا.
هذه السبعة مبادئ، تغطي كل حيثيات آلية الدينونة الصعبة التي نراها أمامنا في شعوب أرض كنعان، وشعب إسرائيل نفسه. والتي شملت كل البشر، من رجال، نساء وأطفال، وبهائم: "الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا" أيوب 1: 21.
باسم أدرنلي
الآيات: " 24 وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا. إِنَّمَا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ."
مقارنة مع
الاعتراض: كيف يطلب الله من شعب إسرائيل أن يبيد كل شيء في المدينة، مع النساء والأطفال؟؟ أين الرحمة هنا!!؟؟
الرد: إن واحدة من أهم الأخطاء التي يعاني منها الكثير من النقاد، هي أنهم يعتبرون أن حقوق الله مساوية تمامًا لحقوق البشر!! فيفترضون أنه بما أنها جريمة لإنسان أن يقتل إنسان آخر؛ إذًا هي جريمة لله أن يأخذ حياة البشر!!! لكن لله الحق أن يعطي الحياة، وأن يأخذها أيضًا: "10 الَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ الْبَشَرِ" (أيوب 12) "21.. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا" (أيوب 1).
وهذا يقودنا لسؤال آخر:
كيف نتأكد من أن الله الذي أجرى القضاء، وليس بمبادرة من شعب إسرائيل نفسه؟
نعم صعوبة الأمر هنا هي أن الله استخدم شعبه كأداة لعقاب أهل أريحا بسبب رجاساتهم (راجع تثنية 18: 12). نتأكد من هذا بسبب المعجزات الصارخة، لم يستطيع أي إنسان أن يشكك بها، حتى الأموريين نفسهم الذين أجرى الله عليهم العقاب كانوا متيقنين من هذا (راجع يشوع 2: 9-10). فلم تكن هذه الحرب لنشر دين، أو لامتلاك الأرض؛ بل لمجازات الأموريين بسبب خطاياهم. والذي يؤكد لنا أن الله فعلا كان وراء هذا القضاء أيضًا، هو أن الله فعل بشعبه نفس الشيء الذي فعله بالأموريين عندما أخطأوا؛ ضربهم بواسطة أعدائهم؛ ضربهم بالوبأ؛ أيضًا طردهم من الأرض بسبب خطيتهم، مثلما طرد سكان أرض كنعان تمامًا. فلا يوجد عند الله محاباه، ولا تمييز عنصري ينصر به شعبه صالحًا أم طالحًا!! بل الجميع واحد أمام عدالته وقانونه.
تفسير موسع:
لكي نفهم هذه الآيات يجب أن ندرك عدة أمور هامة، منها:
أولا: إن قضاء الله الذي أمر به يشوع، ليست له علاقة بنشر دين أو آلية توسع لشعب الله ضد الكفار، كما تعلم ديانات أخرى. بل مرتبط بعقاب الله لشعوب أرض كنعان، بسبب خطاياهم (راجع تثنية 18: 9-12). فقال الله لموسى في عدد 12 "...وَبِسَبَبِ هذِهِ الأَرْجَاسِ، الرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ". فلم تكلن دعوة لنشر دين، لأن الله لا يحتاج لفتوحات ليفعل هذا، فالله يفعله بقوته المعجزية فقط، كما قالت أحد نساء أريحا، للاسرائيليين اللذين أتيا ليستكشفا الأرض: "9 .. «عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ الأَرْضَ، وَأَنَّ رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا، وَأَنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ الأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ, 10 لأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا كَيْفَ يَبَّسَ الرَّبُّ مِيَاهَ بَحْرِ سُوفَ قُدَّامَكُمْ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْر .َ.." يشوع 2.
ثانيًأ: الله حدد لشعب إسرائيل الأرض بالتدقيق؛ لأن دخولهم لها، كان مرتبط بعقاب شعوب الأرض، فقال لهم قبل دخول الأرض: "4 وَأَوْصِ الشَّعْبَ قَائِلاً: أَنْتُمْ مَارُّونَ بِتُخُمِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سَعِيرَ (قرب الخليل) فَيَخَافُونَ مِنْكُمْ. فَاحْتَرِزُوا جِدّاً. 5 لا تَهْجِمُوا عَليْهِمْ. لأَنِّي لا أُعْطِيكُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَلا وَطْأَةَ قَدَمٍ ... 9 «فَقَال لِي الرَّبُّ: لا تُعَادِ مُوآبَ (الكرك) وَلا تُثِرْ عَليْهِمْ حَرْباً لأَنِّي لا أُعْطِيكَ مِنْ أَرْضِهِمْ مِيرَاثاً.." تثنية 2 (إرجع لسفر يشوع 15، هناك وصف دقيق لحدود الأرض التي سمح الله لشعب إسرائيل أخذها، بكل دقة ومحدودية). فلم يدعوهم الله للقتال والتوسع غير المحدود لينشروا دينه كما قلنا.
ثالثًا: الله ليست له معايير مزدوجة فتعامل مع شعبه كما تعامل مع شعوب أرض كنعان؛ وفي الواقع أدان الله شعبه ونقاهم في البرية قبل أن يستخدمهم كأداة لإدانة شعوب أرض كنعان. فنرى أن الله أباد كل بيت قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ من شعب إسرائيل؛ هم وكل عائلاتهم مع النساء والأطفال أيضًا. فالله له الحق أن يأخذ حياة البشر (سفر العدد 16: 31-34)؛ الرب يعطي الحياة، وهو الوحيد الذي له سلطان على على أخذها؛ وتعامل مع شعبه بنفس المعايير التي تعامل بها مع باقي الشعوب.
رابعًا: أكد الله لشعبه ولجميع الشعوب أنه هو شخصيًا وراء هذه العملية؛ فيبس مياة نهر الأردن من أمام يشوع والشعب، لكي يعبروا دون أن يبلوا أرجلهم: " 10 ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ: «بِهَذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ الْحَيَّ فِي وَسَطِكُمْ, وَطَرْداً يَطْرُدُ مِنْ أَمَامِكُمُ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ.." (راجع يشوع 3: 10-17). ليعلم الشعب وباقي الشعوب، خاصة أهل كنعان أنفسهم؛ أن القضية هي ليست أن يشوع أتى وادعى أن الله أمره أن يحارب الكفار. كلا وألف كلا، بل الله شخصيًا أكد لجميع الشعوب، أنه هو القائم وراء هذه العملية، لإدانة جميع الشعوب الساكنة في أرض كنعان، لأن القضية تختص بمصير شعوب، ولا تحتمل أي شك أو ادعاءات.
خامسًا: عندما لم يطع شعب إسرائيل الله، أوقف تلك العملية، وقال لشعبه، أنه سوف لا يطرد باقي الشعوب من الأرض، لأن طردهم لم يكن هدف بحد ذاته. وعندما تغيرت الخطة، بسبب تمرد شعب إسرائيل، ألله أعلن أنه غيرها، بأن ملاكه شخصيًا وقف أمام جميع الشعب وكلمهم بهذا الأمر: " 1 وَصَعِدَ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ الْجِلْجَالِ إِلَى بُوكِيمَ وَقَالَ: «قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمْتُ لآِبَائِكُمْ, وَقُلْتُ: لاَ أَنْكُثُ عَهْدِي مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ. 2 وَأَنْتُمْ فَلاَ تَقْطَعُوا عَهْداً مَعَ سُكَّانِ هَذِهِ الأَرْضِ. اهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي. فَمَاذَا عَمِلْتُمْ؟ 3 فَقُلْتُ أَيْضاً: لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ بَلْ يَكُونُونَ لَكُمْ مُضَايِقِينَ, وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ لَكُمْ شَرَكاً». 4 وَكَانَ لَمَّا تَكَلَّمَ مَلاَكُ الرَّبِّ بِهَذَا الْكَلاَمِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الشَّعْبَ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكُوا" قضاة 2. فلم يأت يشوع مرة أخرى مدعيًا بأن الله أمره أن لا يطرد الشعوب فقط؛ أو أن ملاك الرب ظهر له وقال له هذا!! بل أكد الله هذا بشكل معجزي، بأن يجعل ملاكه يتكلم لجميع الشعب، لكي لا يترك أي ذرة شك في وسط الشعب، يشككهم في إرادة الله. فلأن القضية تختص بمصير شعوب، أكدها الله بشكل قاطع لا يحتمل أي شك.
لمزيد من الدراسة للموضوع، بإمكانك أن تقرأ كتيبي بعنوان:
"فتح شعب إسرائيل لأرض الموعد"
باسم ادرنلي