الآيات: " 18 وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي كُلِّ شَيْءٍ."
أيضا في رؤيا 3 " 14 وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ:«هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ:"
الاعتراض: ألا تعني عبارة "الذي هو البداءة" أو "بداءة خليقة الله" أن المسيح كان أول من خلقه الله ؟
الرد: إن العبارات السابقة تؤكد على أن المسيح ليس مخلوق، وأن الخليقة بدأت منه. فعبارة "الذي هو البداءة" تفسر ما أتى قبلها، وهو: " 15 اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. 16 فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ سِيَادَاتٍ امْ رِيَاسَاتٍ امْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ."
فالآيات تقول بوضوح أن المسيح هو صورة الله؛ بكر كل خليقة أي سيد كل خليقة؛ فيه خلق الكل، ككلمه الله الفاعلة الأزلية التي خلق الله الآب بها كل شيء. كما يوضح مزمور 33 " 6 بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ (أي بالروح القدس) كُلُّ جُنُودِهَا "(راجع يوحنا 1: 1 و14)؛ الكل به وله قد خلق، أي أن الخليقة بواسطة المسيح ولأجل المسيح خُلقت؛ ونحن نعرف أن الخليقة خلقت لأجل الله، إذا المسيح هو الله ذاته وليس أو مخلوقاته. وأيضا عبارة "بداءة خليقة الله" أي الذي به تكونت أو بدأت خليقة الله. فعندما يقول الله عن نفسه: "6 .... «أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، وَلاَ إِلهَ غَيْرِي." أشعياء 44. فهل عندما يقول الله "أنا الأول"، هل هذا يعني أنه يوجد لله بداية؟ بالطبع لا؛ بل يُقصد بها، أن به بدأ كل شيء، وبه ينتهي كل شيء؛ وهذا ما تقوله آيات كولوسي ورؤيا عن المسيح.
باسم أدرنلي
الآيات: " 20 وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى الأَرْضِ امْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ."
الاعتراض: ألا تعني عبارة "يصالح الكل لنفسه" أن الله خلص جميع الناس، ويجب أن يذهبوا جميعًا إلى الجنة؟
الرد: لا أخي المعترض، يجب أن تميز بين أمرين مختلفين:
الأول: إن الله صالح جميع العالم مع نفسه، بكفارة المسيح، كما يقول الوحي في مكان آخر: " 19 أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ." 2 كورنثوس 5. وكفارة المسيح كانت لأجل خطايا كل العالم، وليس فقط للذين قبلوا كفارة المسيح: " 1 ... وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. 2 وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً" 1 يوحنا 2.
الثاني: هو الفداء، وهو من فقط نصيب الذين قبلوا أن يتصالحوا مع الله عن طريق الكفارة التي قدمها الله لأجلهم في الصليب والقيامة. أي أن الله، من خلال كفارة المسيح، كأنه يمد يده لينقذ البشر من الهلاك. وهذه الفرصة متاحة لجميع البشر التائبين؛ فالذين يقبلون يد الله الممتدة لهم، ليصالح بالمسيح الكل لنفسه؛ لينقذ جميع التائبين من الهلاك والجحيم.
باسم أدرنلي
الآيات: " 24 الَّذِي الآنَ افْرَحُ فِي الاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جسده: الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ،"
مقارنة مع
الاعتراض: كيف ممكن أن تكون آلام فداء المسيح، غير كافية لخلاص البشر، فيحتاج بولس لأن يُكمل نقائص شدائد المسيح؟
الرد: إن النص لا يتكلم عن آلام وشدائد الفداء، لأن تلك الآلام قدمها يسوع لأجلنا مرة واحدة وإلى الأبد؛ فتلك الآلام لا يمكن أن يضاف إليها أو يُنقص منها شيء. أما الكتاب المقدس، فيعلم أيضًا أن آلام المسيح مستمرة لغاية اليوم الذي فيه يرد الله كل شيء؛ وتصبح ممالك الأرض لربنا ومسيحه (رؤيا 11: 15). فالوحي يعلمنا أن نكون شركاء في آلام المسيح: " 21 لأَنَّكُمْ لِهَذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ." 1 بطرس. لأن المسيح هيَّأ التلاميذ على أنهم سيتألمون: " 20 اذكروا الكلام الذي قلته لكم ليس عبد أعظم من سيده إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم" يوحنا 15. وقال أيضًا: " 32 في العالم سيكون لكم ضيق.." يوحنا 16. لأن الكتاب في نفس الوقت يعلم أنه عندما نضطهد، فنحن نكمل آلام المسيح، لأن المسيح يُضطهد معنا، أي يتألم معنا؛ كما قال لبوس: "لماذا تضطهدني" (أعمال 9: 4)؛ عندما كان يضطهد المؤمنين بالمسيح.
باسم أدرنلي
الآيات: " 8 اُنْظُرُوا انْ لاَ يَكُونَ احَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ ارْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ."
مقارنة مع
الاعتراض: هل هذا يعني أن تعلم الفلسفة حرام؟
الرد: لا طبعًا الفلسفة ليست خطأ أو حرام؛ لكن الكتاب يحذر الإنسان من أي يضح حكمة هذا العالم فوق حكمة الله، كما عبر الوحي في مكان آخر: "6 فَهذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ حَوَّلْتُهُ تَشْبِيهًا إِلَى نَفْسِي وَإِلَى أَبُلُّوسَ مِنْ أَجْلِكُمْ، لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا فِينَا:«أَنْ لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ»، كَيْ لاَ يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ." 1 كورنثوس 4. وحذر الوحي أيضًا، من جعل المعرفة الفكرية هي القائد لإيماننا، بدلا من أن نختبر قوة الروح القدس المغيرة: "4 وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ، 5 لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ." 1 كورنثوس 2. إذا علم الفلسفة هو ليس حرام، لكن عندما يُسبى ذهننا في حكمة الإنسان لقيادة الحياة، تكون هناك مشكلة كبيرة تشكل عائق في حياتنا؛ وتمنعنا من أن نخدم ونعبد الله بالروح والحق. فنضل عن الطريق؛ كما قال المسيح للصدوقيين: "29 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ" متى 22. فهاذان العنصران، الروح الحق، هما العمودان الأساسيان اللذان، من خلالهما أستطيع أن أخدم وأعبد الله.
باسم أدرنلي
الآيات: " 16 فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ احَدٌ فِي أكْلٍ اوْ شُرْبٍ، اوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ اوْ هِلاَلٍ اوْ سَبْتٍ"
مقارنة مع خروج 20 " 8 اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ." وخروج 23 " 14 ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تُعَيِّدُ لِي فِي السَّنَةِ. 15 تَحْفَظُ عِيدَ الْفَطِيرِ... 16 وَعِيدَ الْحَصَادِ أَبْكَارِ غَلاَّتِكَ الَّتِي تَزْرَعُ فِي الْحَقْلِ. وَعِيدَ الْجَمْعِ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ عِنْدَمَا تَجْمَعُ غَلاَّتِكَ مِنَ الْحَقْلِ."
وأيضًا مع أشعياء 66 "23 وَيَكُونُ مِنْ هِلاَل إِلَى هِلاَل وَمِنْ سَبْتٍ إِلَى سَبْتٍ، أَنَّ كُلَّ ذِي جَسَدٍ يَأْتِي لِيَسْجُدَ أَمَامِي، قَالَ الرَّبُّ"
أيضًا متى 5 " 17 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18 فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ"
الاعتراض: كيف يدعو الوحي المؤمنين في كولوسي أن لا يحفظوا السبت والأعياد؟ فهل غير الله رأيه من جهة وصيته في خروج 20 و23؟ ألا يناقض هذا أيضًا قول المسيح في متى 5، أنه لم يأت لينقض الناموس؛ وأكد على أنه سوف لا تسقط نقطة واحدة من الناموس؟
الرد: إن آية كولوسي واضحة وهي تدعو المؤمنين أن لا يقبلوا تسلط المجتمع اليهودي عليهم، ليجبروهم على ممارسة الشعائر الدينية القديمة كشرط لقبول الله لهم، كما في وقت الناموس.
فالله من الناحية الأولى، من خلال فداء المسيح، يقبلنا قبولا تامًا؛ فلا نحتاج أن نضيف أي عمل على عمل الله لأجلنا في المسيح أبدًا. لأن الشعائر بذاتها هي ليست هدف الله، بل هدف الله منها هو المسيح: "4 لأَنَّ غَايَةَ النَّامُوسِ هِيَ: الْمَسِيحُ لِلْبِرِّ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ" رومية 10. لذلك أصبحت الأعياد القديمة غير ملزمة، لأن جميعها كان يرمز للمسيح؛ فنعدما جاء المسيح وحقق الهدف من الأعياد، أصبح لا حاجة لنا لأن نعيدها. مثل الكورسات الجامعية، هدفها التخرج، فمتى تم التخرج، يحتاج الإنسان أن يتذكر كل ما تعلمه، لكنه غير ملزم بوظائفها وامتحاناتها فيما بعد.
لكن من الناحية الثانية، الكتاب لا يمنع المؤمن من أن يعيد أعياد العهد القديم، أو أن يقدس السبت مثلا؛ كما يقول في رومية: "5 وَاحِدٌ يَعْتَبِرُ يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ، وَآخَرُ يَعْتَبِرُ كُلَّ يَوْمٍ. فَلْيَتَيَقَّنْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي عَقْلِهِ 6 الَّذِي يَهْتَمُّ بِالْيَوْمِ، فَلِلرَّبِّ يَهْتَمُّ. ..." رومية 14. طالما نحن نفعلها ليس عن فرض، ولا نعتبرها شرطًا لقبول الله لنا، كما كان إناس يفعلون مع أعضاء كنيسة كولوسي. بل نتذكر الأعياد لنعتبرها فرصة لنتذكَّر عظمة الله، لكي نعطيه حقه في العبادة والحمد والتسبيح؛ كما يقول نص رومية 14؛ فلا توجد أي مشكلة بذلك. إذًا آية كولوسي لا تنهى عن التعييد أو تقديس يوم معين في الأسبوع للرب؛ بل تنهى عن تقييد المؤمنين من قبل القادة، وإجبارهم على التعييد كشرط لقبول الله لهم؛ كما يظهر من عبارة " فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ احَدٌ ". فهذه بدعة غير صحيحة، الله يقبل الإنسان بناء على نعمته التي قدمت لأجله كفارة المسيح، دون أن يضاف لها أي شيء.
شرح موسع:
أما من جهة الناموس وعمله، هل أُبطله المسيح؟ أكمله؟ وكيف؟ سنتناول هذا الموضوع بإسهاب:
أولا: إن كلمة "لأنقض" الواردة في متى 5، تعني حرفيًا لأهدم، لأبطل، لألغي. والمشكلة هي أنه في اللغة العربية، كلمة "لأنقض" تشبه كلمة "لأناقض"؛ والتي تجعل القارئ يشعر أن المسيح قال أنه لا يريد أن يناقض الناموس والأنبياء؛ ومن تعاليمه يجد أمور متناقضة. فلكي نفهم تفسيرها أكثر، يجب أن ننتبه لعبارة "بل لأكمل"؛ وقصده هو أنه لم ياتِ ليهدم الناموس والأنبياء، بل ليكمل رسالتهم؛ وهذا ممكن أن يشمل تغييرات كثيرة كانت في الناموس؛ ولا يوجد أي مشكلة في هذا. فعندما تبني بيت من طابق واحد، وبعدها تأتي لتكمل البيت ليكون فيلا من طابقين؛ بالتأكيد لا تقصد بكلمة "أكمل"، أنك ستهدم ما بُنِيَ من قبل؛ بل أن تضيف عليه. فتصنع تعديلات عليه؛ تحول غرف النوم في الطابق الأرضي إلى غرف ضيافة، وتصنع عرف النوم في الطابق العلوي مثلاً. تهدم حوائط في البيت القديم، لتكبر غرفة الصالة والمطبخ؛ لكي يتحول من بيت ذات طابق واحد، إلى فيلا من طابقين لها ضعف المساحة.
ثانيًا: إن فكرة تطوُّر الوصايا هي أمر طبيعي، من المفترض أن يتكيف مع نمو ونضوج وتجاوب الإنسان. الوصايا بحد ذاتها هي ليست هدف الله، بل الهدف هو إعادة الإنسان للمكان الذي سقط آدم منه، عن طريق كفارة المسيح (رومية 10: 4). فعندما تعطي ابنك الطفل وصية، وتقول له: "إذا أنهيت أكلك، سأعطيك دينار، وإذا لم تحترم أختك، سأعاقبك." فعندما يكبر ابنك ويصبح عمره 30 عام، سوف لا تقل له: "إذا أنهيت أكلك، سأعطيك دينار!! "؛ وكونك غيرت وصاياك له بسبب نضوجه، هذا لا يعني أنك تغيرت؛ ولا يعني أن محبتك له أو مبادئك تغيرت؛ بل يعني أن ابنك تغير؛ وبناءً عليه، تغيرت طريقة تعاملك معه، تجاوبًا مع نضوجه. فتعاملاتك ووصاياك لإبنك ممكن أن تتغير، لكن الهدف الذي تريد أن توصله له، ثابت لا يتغيَّر. لذلك بدأ الله مع آدم بثلاث وصايا إيجابية، ووصية سلبية (تكوين 1: 28-29 و2: 16-17). بعدها سقط آدم في الخطية وانفصل عن الله؛ فبدأت عملية إرجاع الله للبشر إليه (هذا هو هدف الله الثابت الذي لا يتغير). فأباد الله جميع البشر الخطاة في الطوفان، وأبقى فقط نوح وعائلته فقط؛ بعدها أعطى نوح خمس وصايا؛ ومن ثم، بدأ الله في رفع المستوى الروحي والفكري والخلقي للإنسان؛ وتابع في شريعة موسى، التي تبدأ بالوصايا العشر؛ ويتبعها حوالي ست مئة وصية. بعدها بدأ الله يعزز فكرة العلاقة الشخصية معه لكل شخص من شعب الرب دون وسطاء، بواسطة سفر المزامير والنشيد. بعدها بدأ الله يعطي تهذيبًا وتعليمًا للإنسان بواسطة سفر الأمثال، ليرفع مستواه الخلقي والسلوكي؛ من حفظ الشريعة، للنمو في حكمة الله. وهذا يحثه على ترك السلوك الجيد، ليسعى لسلوك أفضل؛ عن طريق النمو في الحكمة، وهي التطبيق العملي لمعرفة الله. لكن في نفس الوقت، قادت رسالة الناموس والأنبياء الإنسان لحالة يدرك من خلالها أنه لا يقدر أن يرضي الله بواسطة الشريعة، وبأي عمل ممكن أن يعمله. لذلك ينتهي العهد القديم بصرخة فشل وإحباط وأسئلة معلقة غير محلولة: ما هو الحل للطبيعة الفاسدة للإنسان والشعوب؟ وكيف ممكن أن نرضي الله؟
ثالثًا: مجيء المسيح قد أكمل ما بدأه الناموس لكي يقرب الإنسان إلى الله. فوضع المسيح حلاً للخطية؛ عن طريق فدائه؛ ووضع أيضًا حلا للموت الذي ساد على الإنسان بواسطة الخطية، بقيامته وانتصاره عليه (1 كورنثوس 15: 55-56 وعبرانيين 2: 14-15).
رابعًا: لقد تمم المسيح روح العبادة المقبولة لدى الله؛ فعندما قدم المسيح البراءة للإنسان من الذنب، بموته وقيامته (رومية 4: 25)؛ فتح الطريق للإنسان من جديد لكي يعود الله القدوس ويتبنى الإنسان من جديد، ويسكب فيه روحه القدوس؛ بهذا قد أكمل الله الروح البشرية الساقطة. فأكمل المسيح جميع عمل الناموس والأنبياء؛ خاصة في قضية تكميل العبادة والتقرب لله. وثبت النظام الجديد، الذي فيه يعبد الإنسان الله بالروح الكاملة والحق: "23 وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ" يوحنا 4.
خامسًا: لقد أكمل المسيح روح الناموس، وهو أن يحب الإنسان الله، قبل أن يقدم له أي شيء. لقد أعلن المسيح أن الناموس بذاته لا يمجد الله ولا يرضيه، لأنه خال من أهم شيء؛ وهو محبة الإنسان لله. فإذا قدم لك إنسان عزومة ما، وشعرت أنه لا يحبك، لكنه يفعلها لأنها مفروضة عليه؛ هل ستسر بتلك العزومة؟؟ بالطبع لا، وعندنا مثل في فلسطين يقول "لاقيني ولا تغديني"؛ أي استقبلني من قلبك وأشعر أنك تحبني، أفضل من أن تقدم لي مائدة، دون طيب قلب ونفس، أو لأنك مُجبر على ذلك (الواجب أو الفرض). فإذا كانت فكرة الفرائض لا تسر إنسان، فكيف تسر الله؟؟ فهل كرامة الله أقل من كرامة الإنسان؟؟ حاشا!! لذلك كانت أهم وصية طلبها الله من موسى، من جهة إرضائه، هي أن يحب الإنسان الله: "5 فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ" تثنية 6. فلم يستطع الإنسان أن يطبق تلك الوصية، لأن الإنسان لا يقدر أن يبتدع محبة تجاه الله، فهو يحتاج لمساعدة الله ذاته؛ لذلك سكب الله محبته في قلوبنا بروحه القدوس، حيث أكمل أرواحنا بفداء المسيح (رومية 5: 5). وبهذا أكمل الناموس بأهم ركن ينقصه - أن يحب الإنسان الله؛ مما يؤدي إلى محبة الإنسان لأخيه ألإنسان: "14 لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ:«تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ." غلاطية 5 وأيضًا "8 فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ:«تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ" يعقوب 2.
الآيات: " 20 أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لأَنَّ هَذَا مَرْضِيٌّ فِي الرَّبِّ."
مقارنة مع متى 10 " 37 مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي،"
الاعتراض: هل بولس يعارض المسيح بوصيته للأولاد بأن يطيعوا والديهم في كل شيء ؟
الرد: لا يوجد أي تعارض بين الوصيتين؛ وذلك لعدة أسباب:
الأول: إن كلمة "الأولاد" المذكورة في آية كولوسي، هي كلمة تتكلم عن أولاد قاصرين؛ الذين هم لا يزالون تحت رعاية ووصاية أهلهم؛ وفي نفس الوقت أهلهم مؤمنين وتابعين للرب. نعرف هذا من وصية الوحي لهم بعدها تمامًا: " 21 أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا اوْلاَدَكُمْ لِئَلاَّ يَفْشَلُوا."
ثانيًا: إن وصية المسيح كانت موجهه للتلاميذ، وهم غير قاصرين بل بالغين ومعظمهم متزوجين؛ ومن المفترض أن لهم حياتهم الخاصة. كأمر الرب القائل "24 لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتسق بامرأته.." (تكوين 2).
ثالثًا: إن المسيح، في آية متى، لم يعلمنا أن لا نحترم الأهل أو أن لا نطيعهم؛ بل علم ضد أن نحبهم أكثر من المسيح. فعندما تتضارب وصيتهم مع وصية الرب، يجب أن نتبع الرب. كما قال بطرس: "29 فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَالرُّسُلُ وَقَالُوا:«يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ." أعمال 5. كثير من المؤمنين يظنوا أن الكتاب يعلمنا أنه ينبغي أن يطاع الله، ولا يطاع الناس؛ لكن هذا خطأ؛ بل يجب يطاع الله "أكثر" من الناس. بمعنى أن الله يريد أن نكون منسجمين مع المجتمع، لغاية ما يتطلب منا المجتمع أن نفعل شيء يتضارب من إيماننا؛ عندها نطيع الله فقط. لأن الرب دعانا أيضًا أن نكون ذات شهادة حسنة أمام الناس أيضًا: "21 مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ، لَيْسَ قُدَّامَ الرَّبِّ فَقَطْ، بَلْ قُدَّامَ النَّاسِ أَيْضًا" 2 كورنثوس 8.
باسم أدنلي
الآيات: " 22 أَيُّهَا الْعَبِيدُ، اطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ."
الاعتراض: ألا تروج وتشجع هذه الآية تملك العبيد؟
الرد: الإشكالية الأولى في هذه القضية هي أن كلمة عبد بحسب لغتها الأصلية، لا تعني أنه من الرق الذين كان يشتريهم البشر في القديم كما في اللغة العربية؛ بل قد تعني كلمة عبد أيضًا أنه خادم أو موظف؛ وهي آتية من كلمة "عَبَدْ" في العبري، وتعني عَمِلَ أو خَدَمَ. إلا أنه في تلك الحضارة كان هناك عبيد من الرق أيضًا؛ طبعًا الوحي الإلهي لا يشجع على هذه الظاهرة أبدًا؛ لكن مع هذا تعاليم المسيح لم تدعوا العبيد طبعًا لأن يدخلوا في حالة ثورة ضد سادتهم، بل ليؤمنوا ويثقوا بالرب أنه قادر أن يفتح لهم الباب للحرية: " 21 دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ (لا تكون مهموم). بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرّاً فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ. 22 لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ..." 1 كورنثوس 7. لذلك يوجد في العهد الجديد دلائل على حث المؤمن ليحرر عبده، كما قال بولس لفليمون ودعاه أن يقبل عبده أنسيمس الراجع إليه، بعدما سرق منه مبلغ من المال وهرب: " 15 لأَنَّهُ رُبَّمَا لأَجْلِ هَذَا افْتَرَقَ عَنْكَ إِلَى سَاعَةٍ، لِكَيْ يَكُونَ لَكَ إِلَى الأَبَدِ، 16 لاَ كَعَبْدٍ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ: أَخاً مَحْبُوباً، وَلاَ سِيَّمَا إِلَيَّ. فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلَيْكَ فِي الْجَسَدِ وَالرَّبِّ جَمِيعاً! 17 فَإِنْ كُنْتَ تَحْسِبُنِي شَرِيكاً فَاقْبَلْهُ نَظِيرِي."
إذا وحي العهد الجديد، لم يشجع ظاهرة الرق، بل بالعكس دعى الأسياد أن يحرروا عبيدهم ويتعاملوا معهم كأخوة وليس كعبيد. لكن إذا وجد شخص نفسه في العبودية، فيجب أن لا يكون مهموم، بل يوكل أمره لله القادر أن يغير ظرفه بحسب مشيئته، توقيته، وإرادته.
باسم ادرنلي
الآيات: " 16 وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هَذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ ايْضاً فِي كَنِيسَةِ اللاَّوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا انْتُمْ ايْضاً."
مقارنة مع
الاعتراض: ماذا حدث لرسالة اللودكيين الضائعة؟ وكيف يسمح الله بأن يُضيع البشر كلامه؟ وإذا ضاع قسم من الكتاب المقدس، ما الذي يجعلنا نثق بأن الموجود منه، كافٍ للعقيدة ؟
الرد: إن النص لا يتكلم عن الرسالة إلى اللودكيين، كما عرضها الناقض؛ بل لغة الوحي واضحة، فيقول: " وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ" ولا يقول " والتي للاودكية" أو "والرسالة للاودُكيين". فعبارة " وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ" تعني ببساطة "والرسالة التي عندهم"؛ وعلى الأرجح، الوحي يتكلم هنا عن رسالة أفسس. وذلك بسبب وجودها قبل كولوسي بوقت قصير؛ وبسبب تقارب المواضيع التعليمية بين رسالة كولوسي وأفسس وتكميلهم لبعض. لذلك طلب بولس أن يتم تبادل في قراءة الرسالتين؛ أن تُقرأ رسالة أفسس في كولوسي (بعدما يستعيروها من لاودكية)؛ ورسالة كولوسي تقرأ في لاودكية (بعدما تعيرهم كنيسة كولوسي رسالتهم). لذلك نرى في الرسالتين حتى الكثير من الآيات المتطابقة مثلا: أفسس 5: 19-20 مع كولوسي 3: 16-17 وأفسس 6: 1-7 مع كولوسي 3: 20-24 (راجع أيضًا أفسس 4: 17-32 وكولوسي 3: 1-25).
باسم أدرنلي