كيف يمكن أن يصبح الله إنسان، والإنسان الله؟
في الواقع السؤال خطأ؛ الله لم يصبح إنسان، ولا الإنسان المسيح أصبح الله. نحن نؤمن بأن اللاهوت تجلى في الناسوت، لكن المسيح الإنسان ظل إنسان، والله ظل الله الذي يملأ السموات والأرض. أيضًا نؤمن بأن الله الابن لم يفارق المسيح الإنسان ولا أي لحظة.
لكن نقدر أن نفهم التجلى الإلهي في البشر، يجب أن نتذكر أولا أن كل شيء مستطاع لدى الله. فإن تجلى الله للبشر، هي ظاهرة حدثت عدد من المرات في التاريخ البشري؛ أيضًا الله ظهر لأنبياء كإنسان، مئات وآلاف السنين قبل أن يتجلى في المسيح. فلقد تجلى في الشجرة لموسى على هيئة ملاك في وسط لهيب نار:
" 1 وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ فَسَاقَ الْغَنَمَ إلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ. 2 وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ! 3 فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هَذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟ (أي الشجرة)" خروج 3.
" 4 فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ نَادَاهُ اللهُ مِنْ وسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وقَالَ: «مُوسَى مُوسَى». فَقَالَ: «هَئَنَذَا». 5 فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إلَى هَهُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَة."
إن كلمة الرب الأولى في النص أعلاه هي "يهوة"، وكلمة "الله" الثانية هي كلمة "إلوهيم"؛ فلا يمكن أن تطلقا تلك الكلمتين إلا على الله وحده؛ فلا يوجد هنا أي مجال للتأويل أو التشكيك. وخاصةً أن الوحي يقولك "نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ" أي أن الملاك ظهر له في وسط العليقة، هو الله ذاته؛ وذلك ينفي هذا أي احتمال آخر.
فسؤالنا التفسيري هنا هو:
عندما تجلى الله في هيئة ملاك في الشجرة المشتعلة، هل أصبح الله ملاك أو شجرة؟
هذا ما نقوله، عندما تجلى الله في بشرية المسيح، الله لم يصبح إنسان، والمسيح الإنسان، لم يصبح الله. بل اللاهوت الإلهي لبس الناسوت، لكي يحل الموت عليه لغرض الفداء؛ ومن ثم خلعه ببعثه من الموت. حيث يؤكد الوحي أن الله دان الخطية في الجسد فقط، ومن ثم خلعه وعاد لمجده:
"3 لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ" رومية 8.
إن هذا ليس بأمر معقد، فالله خالق كل الأشياء ومنه كل الأشياء، هو طبعًا قادر على كل شيء؛ ويفعل هذا لأجل الإنسان الذي يحبه ويرد له الحياة. فعندما يلاطف ملك عظيم ابنه الطفل بلغة الأطفال ويتقلب معه على الأرض، ويخرج له أصوات حيوانات مضحكة لكي يلاعبه؛ هذا لا يعني أن الملك أصبح هكذا، وبالتأكيد هذا لا يحط من شأنه، كما يظن ذوي العقول الضيقة! بل يعني ببساطة أنه يفعل هذا لكي يتواصل مع ابنه الطفل ذات العقل المحدود، لأنه يحبه ويريد أن يؤسس علاقة معه. علاقة طبعًا مناسبة لمستواه العقلي؛ ولا تعكس أو تؤثر أبدًا على حكمة الملك العظيم ولا قيمته؛ بل بالعكس، ترفع من شأنه لأعلى المستويات.
باسم ادرلني