كنيسة بلا جدران

إبن، أم عبد لله؟

الكثير من الناس يعترضون على فكرة أننا أبناء لله، ويؤمنون أن هذا كُفرًا، لأن من هو الإنسان حتى يكون إبن لله. ومعظم هؤلاء يؤمنون أن الإنسان هو عبد لله وليس إبن، لأنهم يرون في فكرة الابن كأنها تُرفِّع من شأن الانسان ليصير في مستوى الله؛ وهذا بالنسبة لهم مرفوض تمامًا. والسؤال الهام هنا:

هل نستحق نحن كبشر أن نكون عبيد لله؟ أليس العبد يحمل نفس طبيعة سيده كالابن تمامًا؟

فلماذا يمكن أن نقول أننا عبيد لله وليس أبناء إذًا ؟

وهل كلمة عبيد لله في فحواها تختلف عن كلمة ابن لله، حيث أن أنثاهما يفترضان أننا نحمل نفس طبيعة الله؟

الادعاء أننا عبيد الله، ليس له أساس قانوني: إن كلمة عبد لا تستخدم لتصوير العلاقة بين إنسان وبهيمته، بل تستخدم للتعبير عن العلاقة بين إنسانين يحملان نفس الطبيعة البشرية، أحدهما السيد، والثاني العبد، أي الخادم. لقد صور الكتاب المقدس دقة متناهية في التعبير عن العلاقة ما بين الإنسان والله. فمن الناحية الأولى، أظهر مقدار الإنسان بأنه لا شيء أمام الله وعظمته كمخلوق، وذلك بِصُوَرْ عديدة منها: قول داود: "... إِنَّمَا نَفْخَةً كُلُّ إِنْسَانٍ قَدْ جُعِلَ.." مزمور 39: 5. وقال إبراهيم أبو المؤمنين عن نفسه عندما تكلم مع الله: "..قد شرعت أكلم المولى (الله) وأنا ترابٌ ورماد." تكوين 18: 27. وقال آساف عندما تواجه مع بر الله: "..أنا بليد لا أعرف، صرت كبهيم عندك." مزمور 73: 22. 

لكن من الناحية الثانية، أبرز الكتاب أناس مميزين، كالكهنة والأنبياء والملوك، بأنهم عبيد لله، مثل موسى (1 أخبار 6: 49 ونحميا 10: 29) ودانيال (دانيال 6: 20). فالكتاب تجرأ أن يدعو أناس مميزين عبيد لله على أساس قانوني وكتابي واضح، وهو أننا في الأصل مخلوقين على صورة الله (تكوين 1: 27). فسؤالي للذين يعتقدون أننا عبيد لله وليس أبناء: على أي أساس تتدعي أنك عبد لله؟ وهل تؤمن أنك مخلوق على صورة الله؟ أي أنك تحمل نفس طبيعة الله؟

كلمة عبد، ليس لها أساس لغوي: المشكلة الأخرى هنا، هي أن كلمة "عبد" هي ليست عربية الأصل، بل عبرية، لذلك لا نجد في أصلها الثلاثي "عَبَدَ" بمعنى عمل أو خدم. فنرى اختلاطًا وتضاربًا في اللغة العربية في استخداماتها، ما بين العبد الذي يخدم سيده والتي ليس لها أصلٌ ثلاثي، فتتعامل معها المعاجم ككلمة "العبد"، كمعجم لسان العرب: " العبد: الإِنسان، حرّاً كان أَو رقيقاً." والأصل الثلاثي "عَبَدَ"، التي تستخدم لعبادة الله، يقول معجم لسان العرب: "وعَبَدَ اللَّهَ يَعْبُدُه عِبادَةً ومَعْبَداً ومَعْبَدَةً: تأَلَّه له؛ ورجل عابد من قوم عَبَدَةٍ وعُبُدٍ وعُبَّدٍ وعُبَّادٍ. والتَّعَبُّدُ التَّنَسُّكُ." أما عن أصل كلمة "العبد"، فقال معجم مقاييس اللغة عن أصلها الثلاثي الآتي: " ولم نسمَعْهم يشتقُّون منه فعلاً، ولو اشتق لقيل عَبُد، أي صار عبداً وأقرَّ بالعُبُودة، ولكنّه أُمِيت الفعلُ فلم يُستعمل." هل الفعل أُميتَ ولم يُستعمل؟ أم ليس موجودًا أصلاً؟ فإذا صح التعبير، لم يوجد الأصل الثلاثي لكلمة "العبد"، لأنها ليست عربية بل عبرية الأصل. جدير بالذكر أيضًا أن المعنى العربي الصحيح المعاصر المقبول لوصف جماعة الناس الذين يعبدون الله هو: "عباد الله" وليس "عبيد الله". أما الكلمة في أصلها العبري التي أُخذت منه فهو: "עבד" "عَبَدْ" أي عمل أو خدم، وعبد الله تعني خادم الله، فهي منسجمة تمامًا في معانيها دون أي تناقض أو تضارب، والخادم يحمل نفس طبيعة سيده، ولها أساس كتابي واضحًا بأننا مخلوقين على صورة الله كما رأينا. وبالتأكيد لا تستخدم بمعنى عبادة، كما هي في العربية، وفي نفس الوقت تستخدم كعبيد التي لا تمت للأصل "عَبَدَ" في أي صلة. فربطهما ببعضهما البعض، بحسب معجم لسان العرب، هو أن العبد يخضع لسيده، ومن هنا أتت فكرة تعبدنا، أي خضوعنا لله. لكننا نعرف بحسب علم اللغة، لا يربطون الأفعال مع بعضها البعض فقط على أساس الحرف أو المعنى، بل بحسب القواعد والأصول اللغوية، فقد تجد العشرات من الأفعال التي تحمل نفس المعنى أوالحرف، لكنها كلمات مختلفة تمامًا، فالمعنى لا يعطينا الحق لربطها تحت أصل واحد.

نعم أخي القارئ، إن الله يطلب الإنسان الخاطئ ليرجعه إلى حضنه ويتبناه بقبوله ليد الله الممتدة إليه من خلال خلاص الرب يسوع المسيح، كما قال الكتاب: " وأمَّا كل الذين قبلوهُ (أي قبلوا المسيح كَمُخَلِّص) فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمِهِ." يوحنا 1: 12 وهذا لا يقلل من مقدار شأن الله أبدًا، الذي يقلل من شأن الله (والعياذ بالله) هي الخطية وليست الرحمة والاحسان. بل بالعكس تمامًا، عندما ينعم علينا الله بعطية التبني، هذا يًرَفِّع من شأن الله لأبعد الحدود. عندما يمر الموكب الملكي من مكان، فيأتي رجل ويشتم الملك، وفي المقابل يقول الملك لحرسه: "أحضروا لي هذا الرجل"، فيحضرونه إليه وهو يظن أنه سيُقتل. فبدلا من عقابه، يبدي الملك رحمة ونعمه له ليغيره عن شره، فيقول له: "سأسامحك على شرك الذي فعلت، لكن أريد أن أرى تغييرًا في حياتك، سأمنحك مالاً وغنى، وستكون كولد من أولادي منذ الآن". هل صنيع الملك يقلل من شأنه، أم يرفع من شأنه؟ وهل سيشعر ذلك الرجل بالامتياز والافتخار، أم بأقصى درجات الاحراج والانكسار على ذلك الاحسان الذي لا يستحقه؟ نعم عندما يتبنانا الله بنعمته، هذا لا يمنحنا الافتخار والامتياز بأنفسنا، بل بكم الله مميز وعظيم ومُحب. وهذا يميز الله ويمجده لأقصى الحدود التي ممكن أن نتخيلها. إن الله ليس الإله الغضوب الذي يريد أن يمسك عليك ذنب لكي يعاقبك ويلقيك في جهنم، فهذه صورة مشوهه عن الله، ولا تمجده، بل بالعكس تصوره في صورة لا تختلف كثيرًا عن أي رئيس دكتاتور في الشرق الأوسط. إن الإله الحقيقي، هو الإله الذي يطلبك ليردك إلى حضنه الإلهي كالابن الضال، الإله الذي يبحث عن الانسان ليرده من الضعف إلى القوة، من الذل إلى المجد، من الإنانية إلى المحبة، ومن الموت الأبدي إلى الحياة.

باسم أدرنلي

7019 مشاهدة