كنيسة بلا جدران

هل يوجد تعارض بين كون المسيح إنسان والله؟

كما تعلمنا في المقالين السابقين، إن الله واحد في ثلاثة أقانيم، لكل أقنوم دور مميز ومرتبط بالأقنوم الآخر. كأقانيم الإنسان الثلاثة: الجسد، النفس والروح، كل أقنوم له دوره المميز عن الآخر، لكن الثلاثة مرتبطين ببعضٍ بلا انفصال، وواحد في المقام والطبيعة. دور أقنوم الله الابن هو أن يكون الإعلان المرئي والملموس للذات الإلهية، كي نعرف الله؛ كما قال البشير يوحنا عن المسيح وهو شخص الكلمة: " 14 وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً....18 اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ." يوحنا ١.

إن المعترضين يثيرون قضية هامة للجدل في ادعائهم، بأنه يوجد تعارض ما بين كون المسيح إنسان وألله في نفس الوقت. يوجد في طبيعة كل إنسان شخصيات متعددة؛ فممكن أن يكون إنسان ملك، غني، أب، في نفس الوقت. لكل شخصية من تلك الشخصيات، يوجد صفات متميزة ومسئوليات؛ لكن تلك الشخصيات لا تتعارض مع بعضها البعض. فممكن أن يكون شخص ملك وغني وأب، في نفس الوقت. لكن أحيانًا يكون هناك تعارض بين شخصيات معينة؛ فإذا قلنا مثلاً عن ذلك الملك، أنه غني وفقير في نفس الوقت؛ هنا يوجد تضارب في الشخصيتين، إذا كان غني، من المستحيل أن يكون فقير، وإذا كان فقير، من غير الممكن أن يكون غني، وفي نفس الوقت؛ لأن كل من تلك الشخصيات تُبطل الأخرى. فالمشكلة التي أحيانًا لا نفهمها كمسيحيين هنا، أن المعترضون يرون تضاربًا ما بين شخصية المسيح كألله، وكإنسان؛ فالله غير محدود، والإنسان محدود؛ إذا كان كائن محدود، لا يمكن أن يكون غير محدود، وفي نفس الوقت؛ والعكس صحيح. فكل من الشخصيتين تُبطِل الأخرى، ولا يمكن أن تجتمعا إثناهما معًا أبدًا. إن هذا الاعتراض مُحق وصحيح؛ نعم يوجد تضارب ما بين شخصية إنسان يمارس إنسانيته وألوهيته، في نفس الوقت.

فكيف يكون المسيح محدود (كإنسان) وغير محدود (كألله)، وفي نفس الوقت؟

الجواب على هذا الاعتراض:

مشكلة المعترضين هي أنهم يفترضون أن المسيح كان يمارس محدودياته كإنسان، وغير محدودياته كألله، وفي نفس الوقت. إن هذا ليس ما يعلمه الكتاب المقدس لنا، وكما تعلمنا في المقال الثاني: “لاهوت التجلي الإهي في شخص المسيح”، إن الكتاب يبين الطريقة التي تجلى بها أقنوم الله الابن في شخص المسيح، والتي يُظهر بها كيف أنه لم يكن هناك تعارض بين الشخصيتين. فالكتاب يعلِّم، كما رأينا إلى الآن، أن أقنوم الله الابن أخلى نفسه من مقامه الإلهي، وأشترك في جسد من لحم ودم، مثلنا، ولم يستخدم لاهوته أبدًا بأي شكل يتضارب مع إخلائه لنفسه، وعيشه بحسب قوانين البشر المحدوده. فإذا جاء ذلك الملك الغني مثلاً، وقرر بأن يُخلي نفسه ويعيش كرجل فقير بسيط عادي لمدة معينة. أصبح يعمل في كدٍّ وتعب، لكي يعيش؛ في تلك الحالة لا يتعارض كونه فقير وغني في نفس الوقت، لأنه قطع نفسه عن غناه ومصادره، لمدة معينة؛ وأخذ دور إنسان بسيط فقير ذات إمكانيات محدودة، إلى حين. لقد بدأ ذلك الملك، الذي أخذ دور إنسان بسيط وفقير، بالتقدم والشهرة؛ وبدأ يُعلِّم الناس في المملكة عن الملك، ويتعامل مع أفكارهم الخاطئة عنه؛ تَقَدَّم وتفوق وأصبحت له شعبية كبيرة. إلى أن انتخبه الشعب ليكون رئيس الوزراء والرجل الثاني في الدولة. لقد اكتسب هذا بتقدمه كإنسان عادي؛ دون أن يستخدم مصادره وغناه كملك؛ لقد أثبت للجميع بأن كل إنسان ممكن أن يصبح عظيمًا إذا اراد وتعب وصمم، وسلك مستقيمًا أمام الله والناس.

فالمعترضون يفترضون بأن المسيحيون يدعون بأنه كان يستخدم مصادره الملكية، في فترة إخلائه، وفي نفس الوقت؛ عندها يكونوا مُحقين في ادعائهم. فإذا حاول ذلك الملك استخدام مصادرة الملكية بشكل جزئي، لا يمكن أن تتفق الشخصيتين معًا. فإذا تارة احتاج ذلك الملك إلى مال، فاتصل في قصره ليحضروا له مال في الخفية؛ أو اشتهى مرة أكلة معينة، وطلب من القصر بأن يحضروها له؛ أو مرض تارةً، فأرسل إلى القصر لإحضار أفضل الأطباء. يكون عندها قد مثل بشكل مخادع أمام الشعب بأنه أخلى نفسه كفقير، وهو ليس كذلك؛ وبالتالي لا يحقق شيء، ولا يكون فقيرًا أصلاً وليس مثالاً للشعب. أما الكتاب يُعلِّم بأن ذلك الملك، أخلى نفسه تمامًا من مصادره وتعب وتقدم؛ إلى أن اكتسب كل شعبيته كإنسان عادي، بمحدودياته، دون أن يستخدم غناه ومركزه. طبعًا لم يتوقف في لحظة واحدة بأن يكون الملك، فهو الملك؛ لكنه تنازل عن مقامه ودوره الملكي، لكي يصل إلى أبناء مملكته، كإنسان كادح مثلهم بجميع محدودياتهم. لقد عاش وعلَّم الشعب كيف يكونوا موالين وخاضعين للملك (أي لنفسه)، بسحب الأصول والقوانين التي سنَّها الملك. هذا هو نموذج التجلي الإلهي الذي يقدمه العهد الجديد؛ فأقنوم الله الابن " ٩.. مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ." (٢ كورنثوس ٨). فهو لم يمثل أنه افتقر ولم يمثل أنه أخلى نفسه؛ لكنه أخلى نفسه فعلاً من مقامه الإلهي، وتجلى في شخص المسيح؛ عاش كإنسان عادي متكل على إمكانيات الله الآب. عمل جميع معجزاته بقوة الآب الحال في المسيح (يوحنا ١٤: ١٠)؛ عَبَدَ الله الآب كإنسان، عاش تحت جميع محدوديات البشر؛ كان مجربًا في كل شيء مثلنا، لكن بلا خطية (عبرانيين ٤: ١٥). لقد كان الله الآب يسمع لصلاته بسبب تقواه، وليس بسبب لاهوتهه، وذلك بحسب قوانين الله لباقي البشر (عبرانيين ٥: ٧). كانت عليه مسحة أكثر من جميع الأنبياء الأولين، لأنه كان الإنسان الوحيد الذي أرجع السرور لقلب الله الآب؛ فأحب البر وأبغض الاثم، لذلك مسحه الله إلهه أكثر من شركائه الأنبياء (عبرانيين ١: ٩). إذا كما قلنا سابقًا، جميع المعترضين على أن الله تجلى في شخص المسيح، يحاولون أن يبرزوا أن المسيح كان إنسان، ويستنتجون من هذا أنه من غير الممكن أن يكون الله. نعم المسيح كان إنسان، عاش كإنسان، نوافق على هذه الحقيقة؛ لكن لأنه أخلى نفسه من سلطانه الألهي، أصبح لا تعارض بين كونه إنسان والله في نفس الوقت. لأن غير المحدود، قرر أن يعيش محدودًا لوقت معين من الزمن، دون أن يمارس مقامه غير المحدود. كالملك الغني الذي قرر بأن يقطع نفسه من استخدام غناه لوقت معين، فلا يتضارب كونه فقير، مع كونه غني.

طبعًا بالرغم من أنه عاش كإنسان، أعلن لنا عن ألوهيته، لكن لم يستخدم ألوهيته بشكل يتعارض مع قوانين البشر. كمثال الملك، فكون الملك عاش كفقير محدود بحسب إمكانيات البشر، لا يتضارب هذا في أنه أعلن لبعضٍ من أصدقائه أنه الملك، وقال لهم أن الذي يراه يرى الملك؛ لأنه في الحقيقة هو الملك؛ مع حفاظه على محدودياته كإنسان بسيط أخلى نفسه من سلطان مُلكه. لقد ذهب ذلك الإله الذي تجلى في شخص المسيح، إلى الصليب، لكي يرفع عنا شوكة الموت والخطية، ويردنا إلى أحضانه الأبدية. لقد صُلب جسد المسيح على الصليب، " لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ،" (رومية ٨)؛ فالذي صلب هو جسد المسيح الإنسان البشري: " ١٨ فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ،" (١ بطرس ٣). فهل تريد أن تفتح قلبك وتقبل يد الله الممتدة لك بالمسيح يسوع؟ لا يكفي أن تؤمن بأن المسيح مُرسل من الله فقط؛ بل يجب أن تؤمن بأنه الُمخَلِّص الذي أعده الله المُثلث الأقانيم لك؛ وبدونه لا يوجد لك أي رجاء للنجاة من الجحيم الأبدي: " ١٢ وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ.” أعمال ٤.

باسم أدرنلي

5228 مشاهدة