كنيسة بلا جدران

هل المسيح إنسان أم إله؟

في الأناجيل نجد نصوصًا كثيرة ربما تحيِّر القارئ؛ نصوص تؤكد على أن المسيح إنسان وأن الله إلهَهُ كإنسان، مثل قوله: " ... إني أصعد إلى أبي وأبوكم إلهي وإلهكم.” (يوحنا ٢٠: ١٧)؛ "الرب إلهنا إله واحد" (مرقس ١٢: ٢٩). ونصوص فيها المسيح صلى إلى الله؛ مثل متى ١٤: ١٣ و٢٣ ولوقا ٤ : ٤٢ و٥: ١٦ و٦: ١٢ و١٨ و٩: ٢٨-٢٩ و١١: ١ و٢٢: ٣٢ و٤١-٤٤ و٢٣: ٤٦ ويوحنا ١٧. فتلك النصوص تؤكد على أن المسيح كان إنسان، والله كان إلهه كإنسان.

ويوجد نصوص أخرى كثيرة تؤكد على أن المسيح هو الله، مثل: ممارسة سلطانه لغفران الخطايا (مرقس ٢: ١٠)؛ إعلانه أنه أزلي الكون (يوحنا ٨: ٥٨)؛ إعلانه أنه الحياة ذاتها بقوله: “أنا هو القيامة والحياة...” يوحنا ١١: ٢٥ ؛ إعلانه أنه هو الذي سيقيم البشر من الأموات في اليوم الآخر (يوحنا ٥: ٢٥ و٦: ٥٤)؛ وإعلانه أنه هو معطي الحياة، يوحنا ١٠: ٢٨؛ . فهذا الأصحاح مثلاً، يُظهر بوضوح أن الفريسيين وعلماء الدين، تعقيبًا على تلك الأقوال وعلى خلفية فهمهم لنصوص العهد القديم، مثل تثنية ٣٠: ٢٠، فهموا جيدًا قصده؛ وحاولوا أن يرجموه، وفسروا ذلك بقولهم: " ٣٣ ... لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل من نفسك إلهًا!!”. وآيات أخرى كثيرة تبرز بوضوح إعلان المسيح لسلطانه الإلهي. ومن خلال دراستي لكثير من النقاد الذين يرفضون فكرة أن الله تجلى في شخص المسيح، ومن أشهرهم في القرن الماضي كان أحمد ديدات، وجدت أن ٩٩٪ من نقدهم مبني على فلسفة واحدة بسيطة:

١- إثبات أن المسيح كان إنسان، وأن الله كان إلهَهُ كإنسان.

٢- من ثم استنتاج أنه لذلك من المستحيل أن يكون هو الله!!

أي أن المبدأ الفلسفي البسيط الذي يعتمدون عليه هو: من المستحيل أن يكون المسيح إنسان وإله في نفس الوقت، لأن الإثنان يتعارضان ويتضاربان. إذا كان إنسان، فهو ليس إله، وإذا كان الله، لا يمكن أن يصبح إنسان. لذلك لكي نجيب على ذللك النقد، نحتاج أن نتعامل مع أربع قضايا جوهرية:

الأولى: طبيعة الله المثلث الأقانيم.

الثاني: لاهوت التجلي الإلهي في شخص المسيح.

الثالث: هل يوجد تعارض بين كون المسيح إنسان وإله في نفس الوقت؟

والرابع: تجلى أقنوم الابن في العهد القديم.

هذا المقال سيقتصر على القضية الأولى فقط، وهي طبيعة الله المثلث الأقانيم، وعلاقتة بالتجسد. قبل أن نفهم التجلي الإلهي في شخص المسيح، يجب أن نفهم طبيعة الله كإله واحد أوحد مثلث الأقانيم؛ الآب، الابن، والروح القدس. فبالرغم من أن هذا موضوع كبير جدًا على مقال صغير كهذا، لكن سأحاول باختصار طرح الأمور المختصة بالثالوث، التي ستساعدنا على فهم التجلي الإلهي في شخص المسيح.

ماذا تعني كلمة أقنوم: هي كلمة سريانية مشتقة من "قنوما"، فيها تكمن عدة معانٍ مثل: "شخص" و"طبيعة" و"ذات" و"كيان" و"ماهية". ونظيرها باليونانية "هيبوستاسيس"، تعني ما يقوم عليه جوهر القائم أو الكائن، أي أن الأقنوم هو شخصية أو طبيعة فريدة، مرتبطة بشخصية أو طبيعة أخرى بلا انفصال.

في الثالوث لا يوجد مزج: وذلك يعني أن الآب هو ليس الابن، والابن هو ليس الروح القدس والروح القدس هو ليس الآب. لكن بالرغم من ذلك، الآب هو الله، الابن هو الله، الروح القدس هو الله أيضًا. لكي نفهم أكثر هذه النقطة في الثالوث، ممكن أن ننظر إلى الإنسان المخلوق على صورة الله (تكوين 1: 27)؛ فالإنسان، بحسب 1 تسالونيكي 5: 23، هو مثلث الأقانيم أيضًا؛ روح ونفس وجسد (النفس مثلثة أيضًا، وهي الشعور والفكر والإرادة، وهي عبارة عن من أنت، أي شخصيتك وذاتك وفكرك). فعندما يرون الناس جسدي يقولون هذا أنا؛ وروحي هي أنا أيضًا، وكذلك نفسي هي أنا. لكن نفسي هي ليست جسدي، وجسدي هو ليس روحي، ونفسي هي ليست روحي. فالجسد له دوره في الحركة والتنفيذ؛ والروح لها دورها في جذب الإنسان للرجوع والاقتران بالله، والنفس لها دورها في قيادة مصير الجسد الأرضي والأبدي؛ لكني واحد ولست ثلاثة. فكل أقنوم له عمله ودوره، لكنه مرتبط ومعتمد على الأقنوم الآخر؛ فعندما أفكر، نفسي تفكر، لكن ليست نفسي التي تكتب، بل جسدي. فكل أقنوم من أقانيمي له دوره، وهو مرتبط بالأقنوم الآخر بشكل لا يمكن فصله؛ وهذا يقودنا إلى النقطة الثانية.

في الثالوث ليس فصل: لا يمكن أن أفصل جسدي عن نفسي وعن روحي، فالجسد هو كيان واحد لا يمكن فصله عن بعضه البعض؛ لذلك لا يمكن أعتبار الأقانيم وحدات منفصلة بل وِحدة واحدة. كذلك الثالوث الإلهي، فالآب والابن والروح القدس، هم وِحْدة واحدة لا يمكن فصلهم عن بعضهم البعض. لذلك هم واحد وليسو ثلاثة.

في الثالوث لا رُتب: بالرغم من أن النصوص تبرز طبيعة الآب ودوره القيادي للثالوث الإلهي، لكن هذا لا يعني أنه أعظم من أقنوم الابن والروح القدس. فالتساوي مرتبط بالطبيعة وليس بالأدوار. مثل تساوي البشر تمامًا أمام الله، فهو غير مبني بتاتًا على الأدوار، فالملك في في عيون الله، مثل الزبال؛ وذلك بناءً على طبيعته البشرية وليس بناءً على دوره في المجتمع. ولتوضيح هذا في أقانيم الإنسان، فلاحظ أنه بالرغم من أن النفس هي التي تقود مصير الجسد وتوجهاته، لكن لا نقدر أن نقول أن النفس أهم أو أعظم من الجسد، فنفس بلا جسد يجعل الإنسان في حالة موت سريري؛ وجسد بلا نفس، يكون الإنسان مُعاق ومتخلف عقليًا؛ ونفس وجسد بلا روح، يصبح الإنسان كالحيوان. لأن الجسد وِحدة واحدة مثلث الأقانيم؛ وكل أقنوم متساو بالآخر بحسب تساويه في الطبيعة؛ ومرتبط بالآخر.

للثالوث يوجد وجه وإظهار: عندما يرونني الناس، يرون جسدي، وليس روحي، لأن روحي لا تُرى. كذلك الله، فجميع أظهاراته في العهد القديم، من تجليه لموسى في العليقة وعلى الجبل وظهوره لإبراهيم، كان ظهور أقنوم الابن، وليس الآب، لأن الآب لم يره أحدٌ قط (يوحنا ١: ١٨ و١ يوحنا ٤: ١٢)، وهو لا يُرى (١ تيموثاوس ١: ١٧ و٦: ١٦ ). فأقنوم الابن هو"... صورة الله غير المنظور.." (كولوسي ١: ١٥). أي أن الابن، هو الإعلان الكامل للذات الإلهية، وهو القناة التي من خلالها تظهر ملء القدرة والإرادة الإلهية، كما عبر الكتاب المقدس عنه، قائلاً: " ٣ الذي وهو بهاء مجده (مجد الله الآب)، ورسم جوهره، وحامل جميع الأشياء بكلمة قدرته." عبرانيين ١.

إذًا الله واحد مثلث الأقانيم، الآب والابن والروح القدس. الآب هو الله، الابن هو الله، والروح القدس هو الله. دور الآب يختلف عن دور الابن، كذلك دور الروح القدس، لكن الله واحد. إن للثالوث وجه مرئي للبشر، وهذا الوجه هو أقنوم الابن، فهو الإعلان الكامل للذات الإلهية. هو الذي ظهر مرارًا وتكرارًا في العهد القديم للكثير من الأنبياء، لكنه لم يظهر في جسد بشري مثلنا، بل في جسد سماوي على صورة البشر أحيانًا. أما عندما جاء ملء الزمان، وبحسب تخطيط الآب المُسبق، قبل كل الدهور، تجلى أقنوم الابن في شخص بشري مثلنا، لكن بلا خطية، بولادته من أحشاء القديسة العذراء مريم، ليُخَلِّص البشر من هلاكهم ويُرجعهم إلى أحضانه الأبدية. إمَّا بخصوص لاهوت التجلي الإلهي في شخص المسيح، سنتابع في المقال القادم.

باسم أدرنلي

6974 مشاهدة