كنيسة بلا جدران

مفهوم وأساس العبادة بحسب الكتاب المقدس

إن الأساس المبني عليه عبادة الله بحسب الكتاب المقدس، هو محبة الله، وليس على العبادات بحد ذاتها:
"4 اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. 5 فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ." تثنية 6.
نرى هنا وصية التوحيد التي أعلنها الله لموسى قبل 1440 سنة من مجيء المسيح. معلمًا إياه أن الله الخالق الحقيقي اسمه يهوه (وليس الله)، وهو إله واحد؛ وبعدها يخبره ماذا يفعل تجاه ذلك الإله الواحد؟ شيء عجيب! لا يقل له اعبدني، لا يقل له صلي وصم لي! بل يقول له أن عبادة الله يجب أن تكون مؤسسة على محبة الله من كل القلب، كل النفس، وكل شيء آخر في حياتك. طبعًا هذا لا يعني أن المؤمن لا يصلي أو يصوم؛ لكن الصلاة والصوم هي ردة فعلا تلقائية تعبر عن محبته لله، وليس لأن الله فرض عليه العبادة والصلاة. لذلك الصلاة والصوم ليست فرائض في المسيحية، بل تعبير طوعي قلبي من العابد لله، كنتيجة لمحبته له. الصلاة والصوم كفرض، هو أحد العناصر التي تتسم بها جميع الديانات الوثنية التي عرفها التاريخ!َ أما العبادة الحقيقية لله الحقيقي، فهي مؤسسة على محبتي لله من كل كياني. ولكي نفسر مفهوم العبادة في المسيحية، نحتاج أن نسلط الضوء عدة أركان أساسية للعبادة، وهي كما يلي:

أولا، تعريف من هو الإله الحق:
قبل أن نعبد إله معين، نحتاج أن نعلم ونتأكد أي إله نعبده. فالتوحيد بذاته لا يعني شيء؛ لأن الكثير من الديانات الوثنية عبر العصور كانت ديانات موحدة، أي تعبد إله واحد، لكنه الإله الخطأ. لذلك كما تعلمنا من وصية الله لموسى السابقة: 
"4 اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ." تثنية 6.
في اللغة العبرية الأصلية، نرى الوحي يقول"يهوه إلهنا يهوه واحد"
وهنا يُعَرِّف الوحي من هو الله الحق؟ وما اسمه؟ وهذا أمر بديهي يجب أن يحدده أي إنسان عاقل يفكر. فنرى مثلا موسى عندما ظهر له الله أول مرة، قال له الله: 
"6 ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ" خروج 3.
فنرى الله دقيق كلامه، قال له: "أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ"، لأنه ليس إله موسى، لأنه لم يعرفه بعد. فلم يقل له مثلا "أنا ربُّك"، لأن هذا سيكون تخريف، ولا يعكس دقة وحكمة الله أبدًا.
فيجيب موسى الله ويقول:
"13 فَقَالَ مُوسَى ِللهِ: «هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟» 14 فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ»." خروج 3.
من أبسط بدهيات أي إنسان مفكر قريب من الله أن يتسائل، من هو الله الذي يريد أن يتبعه ويعبده؟ لذلك طلب موسى أن يعرف اسمه؟ ويعرف الله ذاته بعبارة "أهية الذي أهية" أي "أكون الذي أكون" أو "سأكون الذي سأكون". وبعدها يقول له "أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ"، أي سأكون أرسلني إليكم، لكنها مكتوبة كإسم علم. ومنها عرفنا أن اسم الله يهوة، أي الكائن، لكنه أيضًا، يكون الذي يريد أن يكون، أي هو الله الجامع الشامل القادر على كل شيء.

ثانيًا، محبة حقيقية لله الحقيقي:
تبدو هذه النقطة كأنها تكرار لمقدمة المقال، لكنها ليست كذلك. عندما نقول محبة "حقيقية"، نقصد بها أن المحبة الحقيقية لله الخالق، الوحي يطرح لها امتحان. وهو إذا كنت تحب الله الحقيقي، يجب أن تحب الناس الذين خلقهم الله. سواء كانوا مسيحيين أم غير مسيحيين، اقرباء أم حتى أعداء. لذلك ربط المسيح الوصية الأولى والعظمى أعلاه، بمحبة المؤمن للآخرين:
"36 «يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟» 37 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ (يؤكد المسيح لوصية الله لموسى السابقة). 38 هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. 39 وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ." متى 22.
فاضاف المسيح قضية محبة القريب، لأن القضية هي أن جميع الذين يؤمنون بأي إله يعبدونه، يدعون أنهم يحبون الإله الذي يعبدونه. فما الذي يميز بين إيمانهم الزائف بالإله الزائف، أو إيمانهم الزائف بالإله الحقيقي، وبين الإيمان الحقيقي بالله الحقيقي؟ المسيح هنا يضع برهان عملي يؤكد الإيمان الحقيقي بالإله الحقيقي، وهو إذا كانت محبة الإنسان لله الحقيقي، حقيقية أم زائفة. مَن بالحقيقة يحب الله الخالق فعلا، يجب أن يحب الإنسان الذي خلقه، مهما كان. 
ويوضح الوحي أيضًا موضوع من هو قريبي في عبارة "تُحب قريبَك"؛ هل هو أي شخص؟ أم المؤمن فقط؟ يشرحها المسيح بقصة السامري الصالح؛ أن القريب يشمل أيضًا العدو، أي مَنْ يعاديك (لوقا 10: 29-37). كما علم المسيح وأكد في الموعظة على الجبل بشكل قاطع: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ" (متى 5: 44)، التي تشمل الجميع، حتى من يعادينا.
فمن يحب الله بالحقيقية، يحب كل إنسان؛ لذلك يعود ويوضح الوحي هذه النقطة أكثر، بالشكل القاطع التالي:
"20 إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟" 1 يوحنا 4.
فمن لا يحب الإنسان، أي إنسان ومهما كان؛ هو كاذب، لا يحب الله، وبالتالي غير موحد لله؛ حيث لا يعبد عبادة حقيقية الله الحقيقي. عظمة كتابنا، هو أنه لا يحتاج لاجتهاد خبراء، لكي يستخرجوا منه ما ليس فيه؛ كما يفعل أصحاب الديانات الزائفة الضالة. الكتاب المقدس يفسر نفسه بنفسه وبكل وضوح، ولأبسط الناس.

ثالثًا، كل شيء أعمله عبادة:
عندما أقول "أنا أعبد الله"، كلمة "أعبد" بالعربية، لها أصل ثلاثي، وهو "عَبَدَ"؛ لكن هذا الأصل غير مرتبط بكلمة "عَبْدْ" (أي عكس "سيِّد"). بينما في الأصل العبري، الكلمتان لهما اصل واحد. فنرى اختلاطًا وتضاربًا في اللغة العربية في الكلمتين؛ ما بين "عابد الله"،أي الذي يعبد الله، المشتقة من الأصل الثلاثي "عَبَدَ". وبين "عبد الله"، الذي يخدم سيده الله، والتي ليس لها أصلٌ ثلاثي، وغير مرتبطة بالفعل "عَبَدَ"! فتتعامل المعاجم مع كلمة "العبد" مباشرة، دون وضع أصل ثلاثي لها. كمعجم لسان العرب، يفسر معنى "العبد" مباشرة بقوله: " العبد: الإِنسان، حرّاً كان أَو رقيقاً." والأصل الثلاثي "عَبَدَ"، التي تُستخدم لعبادة الله، يقول معجم لسان العرب: "وعَبَدَ اللَّهَ يَعْبُدُه عِبادَةً ومَعْبَداً ومَعْبَدَةً: تأَلَّه له؛ ورجل عابد من قوم عَبَدَةٍ وعُبُدٍ وعُبَّدٍ وعُبَّادٍ. والتَّعَبُّدُ التَّنَسُّكُ."
جدير بالذكر أيضًا أن الكلمة التي تصف جماعة الناس الذين يعبدون الله هو: "عبَّاد الله" وليس "عبيد الله".
أما عن أصل كلمة "العبد" (عكس الشخص الحر)، قال معجم مقاييس اللغة عن أصلها الثلاثي الآتي:
" ولم نسمَعْهم يشتقُّون منه فعلاً، ولو اشتق لقيل "عَبُدْ"، أي صار عبداً وأقرَّ بالعُبُودة، ولكنّه أُمِيت الفعلُ فلم يُستعمل."
هل الفعل أُميتَ ولم يُستعمل؟ أم ليس موجودًا أصلاً؟ 
فإذا صح التعبير، لم يوجد الأصل الثلاثي لكلمة "العبد"، لأنها ليست عربية بل عبرية الأصل. أما الكلمة في أصلها العبري التي أُخذت منه فهو: "עבד" "عَبَدْ" أي عمل أو خدم، وعبْد الله تعني خادم الله؛ وأيضًا عبادة الله، تعني خدمة الله؛ نفس الأصل الثلاثي ونفس الكلمة تمامًا في العبرية. لذلك تجدوا في ترجمة قول المسيح الآرامي/العبري في (متى 6: 24) "لا يقدر العبد أن يخدم سيدين" (ترجمة فاندايك)؛ و"لا يقدر العبد أن يعبد ربين" (ترجمة الروم الارثوذكس)، لماذا؟ لأنه نفس الكلمة، "يعبد" و "يخدم".
هنا نأتي لبيت القصيد؛ العبادة بحسب مفهومها الكتابي العبري الأصلي؛ هي كل شيء أفعله في حياتي. فالله يتوقع مني أن كل أفعالي وأقوالي تكون كخدمة، أي عبادة له، لمجده ولإكرامه. 
وهذا طبعًا ليس خيال، يوضحه الكتاب المقدس بشكل قاطع، كعادته:
"22 أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ 23 وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، 24 عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ." كولوسي 3.
الآية تقول أشياء كثيرة وهامة:
أولا: عدد 22، تحث الموظفين أو العمال، بأن يقوموا بأعمالهم بأمانة، انطلاقًا من مخافة الرب، بقوله: "خائفين الرب".
ثانيًا: في عدد 23، يحث العمال بأن يقوموا بأعمالهم كأنهم يفعلونها لله، وليس للبشر. هذا هو فحوى العبادة، والتي تعني أنهم بأقوالهم وأفعاهم يخدمون الله وليس البشر. فكل شيء اعمله في حياتي مفترض أن يكون عبادة الله، أي خدمة له. العامل في وظيفته، يعبد الرب من خلالها؛ والطالب الذي في المدرسة، يعبد الرب خلال تعليمه؛ وربة البيت التي تحضر الأكل، تعبد الرب من خلال خدمة أسرتها...إلخ. هذا طبعًا يأتي انطلاقًا من العلاقة الشخصية مع الرب، المنبثقة من الصلاة، قراءة الكلمة، التسبيح، الشكر...إلخ. 
هذا هو المفهوم الأصلي الموسع للعبادة، والذي فقده الكثير من المسيحيين بسبب اختلاطهم بأكثرية ليس مسيحية للأسف. حصر العبادة على طقوس صلاة، صوم، حج...إلخ، هو مفهوم وثني وليس مسيحي. فكل ما نفعله في حياتنا، هو عبادة لله، وليس فقط الصلاة والطقوس؛ والتي هي ليست خطأ طبعًا، طالما أفهم ما هي عبادة الله وما هو أساسها، كما استعرضنا سابقًا. وطالما هي مؤسسة على محبتي لله من كل كياني، وليس عن فرض؛ وطالما أدرك أن عبادتي هي حياتي كلها.
ثالثًا: يكرر في عدد 24، فكرة مخافة الرب، ويربطها بخدمة أو عبادة المسيح "لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ". أي أنه يقول هنا أن عبادة أو خدمة الله، تأتي من خلال قناة عبادة أو خدمة المسيح. وهذا يقودنا للركن الرابع.

رابعًا، عبادة الله، تأتي من خلال خدمة المسيح:
حيث قال المسيح:
"26 إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ" يوحنا 12
"2 فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ أَخَانَا، وَخَادِمَ اللهِ، وَالْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ وَيَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ" 1 تسالونيكي 3.
"6 إِنْ فَكَّرْتَ الإِخْوَةَ بِهذَا، تَكُونُ خَادِمًا صَالِحًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، مُتَرَبِّيًا بِكَلاَمِ الإِيمَانِ وَالتَّعْلِيمِ الْحَسَنِ الَّذِي تَتَبَّعْتَهُ" 1 تيموثاوس 4.
"11 إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ يَخْدِمُ أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ" 1 بطرس 4.
"18 لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ. وَبِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ" رومية 16

خامسًا، نعبد الله بالروح:
نعبد الرب من خلال الروح القدس، وهو أحد أقانيم الله التي تتحد مع أرواحنا عندما نتوب عن حياتنا القديمة، ونقبل يد الله الممتدة لنا من خلال المنقذ يسوع المسيح وفداءه. العبادة كما قلنا سابقًا هي أن نكون متصلين بالله دائمًا، ونخدمه، ليقود حياتنا لمجد اسمه. فلا يمكن أن نعبد الله فعلا، دون أن يكون الله ساكن فينا! في العهد القديم، كان الشعب يعبد الرب من طريق الاتصال به باستمرار عن طريق أنبياء وكهنة؛ يصلون للشعب، يتشفعون له، يطلبون له المغفرة؛ حيث هم الوحيدين الذين سكن فيهم الروح القدس في القديم. لم توجد فترة لم يكن بها أنبياء متصلين بالله، من شريعة موسى إلى سفر ملاخي؛ ألف سنة مستمرة. لأنه بدون هذا الاتصال، لا يوجد شيء اسمه عبادة، إلا عبادة نفسانية، وثنية. أما المسيح عندما جاء وفدى البشر بالموت، ثم الانتصار عليه بالبعث منه؛ مانحًا لنا الخلاص والبراءة. ففتح للمفديين الباب لقبول عطية الروح القدس في قلوبهم، المتحد مع أرواحهم؛ أي محيي أرواحهم من جديد. وهذا جعل المفديين متصلين باستمرار بالله. وبهذا حقق نبوته عن العهد الجديد، التي نزلت حوالي 600 سنة قبل مجيء المسيح، وقالت:
"31 «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا 32 لَيْسَ كَالْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ.. 33 بَلْ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا" إرميا 31.
نرى أن العهد الجديد الذي تحقق بالمسيح، هو خطة قديمة تنبأ عنها النبي إرميا كما نرى. حيث كان الشعب في العهد القديم، يحفظ شريعة موسى المخفوظة في العقول، يتعبد من خلالها للرب بوساطة نبي أو كاهن متصل بالله، من خلال هيكل أرضي، مادي. أما في العهد الجديد، ننال نعمة سكنى الله، صاحب الشريعة نفسه وصاحب الشأن ذاته، فينا من خلال أقنوم روحه القدوس. فعندما نكلمه، نكلم أنفسنا، لأنه فينا ونحن فيه، بالمسيح يسوع.
لذلك نعبده بروح الله القدوس: 
"24 اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا" يوحنا 4.
وأيضًا نعبد الله بروحنا المتحد مع روح الله:
"9 فَإِنَّ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي، فِي إِنْجِيلِ ابْنِهِ.." رومية 1

سادسًا، نعبد الله بالحق:
في آخر آيتين من النقطة السابقة، نعبد الله بالروح، وبالحق أيضًا. والآية الثانية، تقول "في إنجيل ابنه". بكلتى الآيتين، تكرران نفس الفكرة. هناك منهاج لعبادة الله أي خدمته والحياة له؛ وهذا المنهاج هو كلمة الله (الحق):
"17 قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلَامُكَ هُوَ حَقٌّ" يوحنا 17.
كلمة الله تقدس نفوسنا، ومن خلالها نقدر أن نقترب لله. وإذا أخذنا مثال المحامي الذي يريد أن يقدم حجة عادلة لمحكمة العدل العليى مثلا؛ يحتاج أن يقدمها في إطار نهج الدستور والقانون. فإذا قدم كلام جميل، لطيف، موزون، ومقنع مثلا، لكن دون أن يجسد الدستور والقانون؛ يكون كلامه كالهذيان، لن يسمع له أحد، ولن يقل القانون حجته أبدًا. لذلك الله لن يأخذ بالعواطف، وصدق القلب فقط؛ بل يجب أن نقترب إليه بالحق، أي بالدستور الإلهي.

سابعًا، نعبد الله بتجسيد حياة المسيح فينا:
إستكمالا للنقطة السابقة، الوحي أيضًا يشير للمسيح بأنه هو الحق أيضًا:
"6 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي." يوحنا 14.
أي أن هدف عبادة وتبعية الله، هي أن يتغير قلبي وحياتي بحسب صورة المسيح: 
"29 لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ" رومية 8.
"19 يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ." غلاطية 4.
"18 وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ" 2 كورنثوس 3.
فكلمة الله هي ليست الحق بذاتها ككلام مثالي وجميل؛ بل بتحقيق هدفها، وهو تجسيد حياة المسيح فينا. لذلك قال المسيح:
"39 فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. 40 وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ." يوحنا 5.
فكلمة الله هي التي تساعدنا لنحقق الهدف، وهو ليس فقط طاعة الكلمة كمثاليات، بل لتغيير حياتنا عن طريق تجسد أقنوم الكلمة، المسيح، فينا، الذي يعطي حياة. لذلك قال الوحي:
"4 لأَنَّ غَايَةَ النَّامُوسِ هِيَ: الْمَسِيحُ لِلْبِرِّ (حياة المسيح البارة فينا) لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ." رومية 10.
لذلك أكد الوحي أن فعالية كلمة الله هو فقط في مجالها الصحيح، حياة بر المسيح في داخلنا:
"16 كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ (أي في مجال البر)" 1 تيموثاوس 3.
هذه هي ملء رسالة الله للبشر، ليس كلمة حرفية فقط، بل تجسد حياة المسيح فينا:
"1 اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، 2 كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ.." عبرانيين 1.
وتجسد أقنوم الكلمة في قلوبنا وحياتنا، هو أهم دور لأقنوم الروح القدس الساكن فينا:
"13 وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ.. 14 ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ." يوحنا 16.

تلخيص ما سبق، عن مفهوم العبادة بحسب الكتاب المقدس: 
* أولا يحتاج الإنسان أن يلتجئ لعبادة الإله الحقيقي؛ له اسم واحد أوحد، وهو "يهوه"؛ هو الاسم الذي دعا به جميع الأنبياء الحقيقيون. 
* بعدها يحب أن يعبده عبادة مؤسسة على حبه من كل القلب، الفكر والقدرة. 
* وإذا كان حبه حقيقي لله، يجب أن يحب الناس الذين خلقهم جميعًا، بكافة طوائفهم ودياناتهم؛ وحتى لو كانوا ممن يعادوك. فالذي لا يحب الإنسان، هو لا يعبد الله، وغير موحد لله.
* كل ما أفعله في حياتي، الله متوقع مني أن أقدمه كعبادة له، وليس فقط مظاهر الصلاة، الصوم والتعبد؛ التي هي ليست فرض بحسب الوحي، بل تعبير طوعي تلقائي عن حبي لله. الصلاة كفرض، هي نهج وثني، وليس كتابي.
* عبادة الله الحقيقية تأتي من خلال تبعية وخدمة يسوع المسيح.
* نعبد الله بالروح القدس المتحد مع أرواحنا ومحييها؛ والحق، الذي هو كلمة الله.
* نعبد الله بتجسيد حياة يسوع المسيح فينا؛ في كل فكرة، كلمة وعمل نعمله.
باسم أدرنلي

7076 مشاهدة