كنيسة بلا جدران

ما هي النعمة؟ وماذا يعني إنعام الله؟ ومن هي جماعة المُنعم عليهم؟

إن النعمة هي عطية الله التي لا يستحقها الإنسان؛ مما يعني أنه نالها بإنعام الله. والكتاب المقدس يقدم فصل تام ما بين نيل الجنة بالأعمال الصالحة أم بالنعمة. أي أنه إما أن ينال الإنسان الحياة الأبدية في الجنة بالأعمال الصالحة أو بالنعمة، ولا يمكن أن يكون بالإثنين معًا.

تفسير معنى النعمة أو الإنعام، من ناحية لغوية:
لكي نفهم الفصل والتناقض ما بين الحصول على عطية الله بأعمالنا أم بإنعام الله، نحتاج أن نفهم معنى مفهوم النعمة؛ ولتفسير المصطلح لغويًا، سنتناول هذا المثال:
لقد اشتغل أحد العمال عند صاحب عمل براتب 500 دينار في الشهر؛ وبعدما انتهى الشهر الأول، جاء العامل لكي يطلب راتبه من معلمه.  فقال له صاحب العمل: "أنت لا تستحق هذا المبلغ، فإني أُنعم عليك به، وهو احسان مني إليك!!"
فاغتاظ جدًا العامل وقال له: " أنت لا تُنعم عليّ بهذا المبلغ لأنه من حقي وثمن تعبي وعملي"
إن اغتياظ العامل فعلاً كان بحق، فالمعلم لا يُنعم عليه بهذا المبلغ لأنه من حقه وثمن عمله وتعبه.  لكن دعونا نأخذ سيناريو آخر للقصة.
جاء العامل ليطلب راتبه من صاحب العمل، فقال له صاحب العمل: "إن راتبك هو 500 دينار، فإن هذا المبلغ من حقك وثمن عملك، لكني أحببتك جدًا وأريد أن أُنعم عليك بنصف مليون دينار لتؤسس مستقبلك في عيش أفضل وأكرم. عندها سينحني فعلاً ذلك العامل لنعمة معلمه ويشكره عليها، ويلازمه طول حياته، ليس لأنه مجبور على ذلك؛ بل لأنه أحبه واحترمه وأدرك إنعامه عليه.
لذلك يقول الوحي الكتابي: 
"6 فإن كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال، وإلا فليست النعمة بعد نعمة، وإن كان بالأعمال فليس بعد نعمة، وإلا فالعمل لا يكون بعد عملا" رومية 11.
فإذا أردت إعادة صياغة هذه الآية بلغتي التفسيرية، تطبيقًا لحالة ذلك العامل أقول:
إن كانت عطيه معلمة له بالنعمة (النصف مليون دينار)، فإذًا هي ليست كنتيجة لأعماله، وإلا فلا تكون أعطيت له بالنعمة؛ وإن كانت عطية معلمه له كثمن لأعماله (الـ 500 دينار)؛ فلا تكون نعمة منه؛ فهو ثمن تعبه وهو يستحق ذلك المبلغ فعلاً؛ وإلا فلماذا يعمل الإنسان. 
بناء على ما سبق، من هم جماعة المُنعم عليهم؟
هم أُناس، رجال ونساء الله القديسين، الذين لا يستحقون الجنة، لكن وهبهم إياها الله بإنعامه.  وكما تعلمنا إلى الآن، إن كان بإنعامه، إذًا لم ينالوها كثمن لأعمالهم، وإلا فلا يكون الله قد أنعم عليهم بها. وهذا طبعًا لا يعني أنهم لم يكونوا صالحين أو لم يعملوا أعمال صالحة كثيرة. لكن ببساطة يعني أن نيلهم للحياة الأبدية في الجنة، هو ليس كثمن لأعمالهم؛ بل نالوها بإنعام الله، لأن أعمالهم غير كافية لنيل الجنة، وإلا لن يكونوا من فئة المُنعم عليهم، بل من فئة المستحقين الجنة.
وهنا يظهر سؤال هام: ما هو دور الأعمال في حياة الإيمان إذًا؟
الأعمال التي نعملها هي تعتبر بمثابة جزء لا يذكر في سداد دين لله، ولا تعتبر بمثابة امتياز للشخص الذي يعمل:
"2 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ تَبَرَّرَ بِالأَعْمَالِ فَلَهُ فَخْرٌ - وَلَكِنْ لَيْسَ لَدَى اللهِ. 3 لأَنَّهُ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً». 4 أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ." رومية 4.
إذا الله طلب من المؤمنين أعمال صالحة كثيرة، لكن في نفس الوقت أعطانا البصيرة لندرك أنه مهما عملنا وحققنا، لا تعتبر أعمالنا هي ثمن لعطية الحياة الأبدية في الجنة:
"8 لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ 9 لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. (لكن في نفس الوقت، الله طالب منا أعمال) 10 لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا" أفسس 2.
وهذه الأعمال لا يمكن أن تسد ثمن الحياة الأدبية التي وهبنا إياها الله في النعمة؛ لذلك يقول:
"15 فَشُكْرًا ِللهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا" 2 كورنثوس 9.
لأن الإنسان لا يقدر أن يدفع ثمن الجنة أبدًا:
"26 ...مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟" متى 16 
أي ليس بمقدور الإنسان أن يدفع ثمن الجنة ويفدي نفسه بنفسه؛ لذلك يحتاج الإنسان إلى إنعام الله، الذي وهب للإنسان الحياة الأبدية والخلاص بشكل قانوني، فقط عن طريق فداء وقيامة المنقذ يسوع المسيح.

 

 

باسم ادرلني

5583 مشاهدة