إكرام المساكين والمنبوذين
سنقوم في هذا التأمل بالنظر إلى الفقرة المأخوذة من إنجيل لوقا 14: 1-14. يوجد غالبًا عائقين يحولان دون إكرام الله وإكرام المسكين في حياة المؤمن والكنيسة وهما:
1- إكرام التقاليد أوَّلاً – والتي تؤدي إلى رفض المسكين (لوقا 14: 1-6).
2- إكرام الذات أوَّلاً – والتي تؤدي إلى التركيز على المصالح الذاتية (لوقا 14: 7-11).
لقد قدم المسيح تحذيرًا من إكرام الذات والذي يمنع الإنسان المؤمن من إكرام الرب وإكرام الآخرين، ولا سيَّما المحتقرين والمساكين. فالرب في المواقف يعلمني بأنني إما أن أكرمُه هو، أو أن أُكرم ذاتي، وحينما أختار أن أُكرم ذاتي، فأنا بالنسبة لله إنسانٌ بلا كرامة. لذلك يقول:
"...قبل الكرامة التواضع." أمثال 15: 33 و18: 12
أي أنه عندما يتواضع المؤمن ويتنازل عن كرامته وعزته ويختار أن يُكرم الرب، عندها فقط يُكرمه الرب ويجعله إنسان بكرامة، لأنه قال:
"...أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون." 1 صموئيل 2: 30.
وهذه الآية هي مرادفة لما قاله المسيح في الفقرة السابقة:
" لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ (يعامله الله كم لا كرامة له) ومَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ (أي يُكرَّم) " (لوقا 14: 11)
إذا أردنا أن نُكرِم الرب، يجب أن نُكرِم المساكين والمنبوذين.
فإذا جاءت عائلة من الكنيسة مثلاً واستضافت في بيتها إنسانة مرفوضة من المجتمع وذات سمعة وتربية سيئة، سنرى أنه سيهطُل عليها شتاءٌ من الانتقادات والملاحظات، والكل سيتمحور حول أمرين:
إكرام التقاليد: إنُّو تعيش مرا مع رجال ومَرَتُه إشي مِش مقبول.
إكرام الذات أو الراحة الشخصية: صِعِب إنو تأمِّن لوَحْدِه زي هاي على بيت – كيف تستحمل هيك ناس – شو بِدَّك بوجع الراس... إلخ من الجمل السلبية الخالية من الرحمة والمتمركزة على الذات والراحة الذاتية.
لذلك أكمل المسيح تعليمه في الفقرة السابقة قائلاً للذي دعاه:
لوقا 14: 12 ... «إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوتَكَ وَلاَ أَقْربَاءَكَ وَلاَ الْجِيرَانَ الأَغْنِيَاءَ لِئَلاَّ يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضاً فَتَكُونَ لَكَ مُكَافَاةٌ (إكرام الذات). 13 بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ الْمَسَاكِينَ: الْجُدْعَ الْعُرْجَ الْعُمْيَ (أي المنبوذين) 14 فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى (أي أن إكرام الرب هو من إكرام المَنْبوذين) إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ لأَنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ الأَبْرَارِ».
إن الجُدْع هم من قُطع من جسدهم عضو معين، الأنف، اليد، الرجل أو الأذن مما يجعلهم من الفئة التي عادةً تأخذ من الشِحدة وسيلة للعيش.
فكلٌّ من هذه الفئات، المساكين (أي الفقراء)، الجدع العرج والعمي، هم أناس يستنزفون طاقة المؤمن وأمواله، مما يجعل المؤمن يُفَضِّل البحث عن مصدر آخر لخدمة الرب أقل استنزافًا وأكثر استعراضًا وانبساطًا روحيًا خاليًا من التضحيات والآلام.
فرسالة الرب للكنيسة هي: " أريد رحمةً لا ذبيحة " (هوشع 6: 6).
لقد استشهد المسيح بهذه الآية عندما واجه نقدًا لاذعًا بعد خدمته مع أناس من تلك الفئة المنبوذة. إن الوحيد الذي نقل لنا هذه المقولة عن المسيح هو البشير متى، ونقلها مرتين (متى 9: 13 و12: 7). نقلها وركز عليها لأنه اختبر ماذا تصنع الرحمة بإنسان عشَّار مثله (أي عميل لحكومة الاحتلال الرومانية)، والذي لا يمكن أن يصبح شيئًا مقبولاً في المجتمع مهما عمل، إلا إذا تقابل مع رحمة يسوع. الرحمة التي رفعته وغيرته ليصبح الرسول متى، أي الرجل الذي استخدمه الله ليغيِّر الملايين.
إذا أردنا أن نُكرم المسيح ونتبع سيرته، هذا يتطلب منا بأن نكون كنيسة المساكين والمنبوذين، يجب أن نكون مؤمني العشارين والزواني والمنبوذين مثل المسيح، مهما واجهنا من انتقاد وتضحيات وصعوبات.
في سنة 1997-1998 قد صنع الرب نهضة في الحارة وابتدأت الكنيسة تمتلئ من عشرات الشباب المنبوذين في المجتمع، وسرعان ما ابتدأت الحارة تطلق على الكنيسة اسم " كنيسة الحشاشين ". وردود فعل المؤمنين في الكنيسة كانت، بأن بعضهم امتلأ من الاستياء من اللقب ومن قدوم هؤلاء الشباب على الكنيسة، والبعض عَبَّر كم يشعرون بالافتخار والامتياز وكم منح الرب الكنيسة أكاليل مجد بأن يُدعو " كنيسة الحشاشين "، لأن الكثير من خدمة المسيح كانت مع أناس مثل هؤلاء.
دعونا نصبح كنيسة المساكين الجدع العرج والعمي. دعونا نصبح خدَّام المساكين والمنبوذين، فلنطرح إكرام التقليد والذات ونتنازل عن عرش راحتنا الشخصية ومستوى معيشتنا، ونفتح قلوبنا، بيوتنا وكل مصادرنا للناس المساكين والمنبوذين. وإن كنت لستَ مُستعِدًّا بعد أن تفعل هكذا، على الأقل شجع الذين يفعلون هذا بأي وسيلة يقودك الرب بها.
باسم أدرنلي