كنيسة بلا جدران

هل يوجد كذبة بيضاء وكذبة سواداء؟

سألني مرةً أحد الأشخاص رأيي في موقف اضطر شخص معين فيه أن يكذب لكي يحمي أب من أن يقتل ابنته، وقال لي: "لو كنت مكان ذلك الشخص يا أخ يا مؤمن، هل كنت تقول للأب الحقيقة، عندما سألك، وتجعله يقتل ابنته؟". أما أنا فقلت له أن الكذب خطية وإنِّي في موقف كهذا كنت أصلي وأطلب من الله حكمة لكي يحميني من أن أخطئ إليه وبنفس الوقت أن يحمي الله تلك الفتاة من الأذى. لكنه لم يقتنع بإجابتي وأصر على أن هذه الكذبة كذبه بيضاء هدفها الخير وليس الشر. فقلت له لا يوجد كذبه بيضاء أو سوداء؛ وطبعًا هذا هو الجواب التقليدي الذي نسمعه باستمرار عن المنابر في الكنائس الإنجيلية. لكني ذهبت إلى البيت ولم أكن أنا نفسي مقتنع تمامًا بكلامي، حيث لم ألتمس إرشادًا واضحًا للرب في هذه القضية. وكان روحي غير مستريح في داخلي وفيَّ شعور أني محتاج إلى تفسير وإنارة أعمق من الرب.

لقد أظهر لي الرب في تلك الليلة أنه نعم يوجد كذبه بيضاء وكذبه سوداء، ويوجد فرق كبير بينهما. لكن بخلاف ما يظن البعض، كلاهما خطية؛ لكن الكذبة السوداء هي خطية مع إثم والبيضاء خطية بلا إثم.

ما هو الإثم؟ وما هي الخطية؟

الخطية هي أن تقول أو تفعل شيئًا مخالفًا لمشيئة الله، بينما الإثم هو الخطية الموجودة في القلب والتي تجعل المؤمن أن يخطئ بالفعل والقول مرارًا وتكرارًا لأن كل الخطايا تخرج من القلب (متى 15: 19)، وإن لم يصلح القلب لا يُصلح الإنسان. عندما كذب ذلك الشخص في الحالة السابقة، كان قد فعل خطية لكن بلا إثم، أي أنه لم يكن له دافع أثيم؛ أو لم يخرج ذلك الكذب من قلب شرير، وربما ذلك الشخص صادق وغير متعود على الكذب . لكن إذا كان هناك زوج مثلاً يعيش في حياة يمارس باستمرار أمرًا رديئًا بغير علم زوجته ويكذب عليها باستمرار، يكون ذلك الكذب مُقترنًا بآثام في القلب وحياة بعيدة عن الصدق والإخلاص (كذب + إثم). أو شخص عندما في حديثه يجرح شخص وهو يحبه ولم يقصد أطلاقًا أن يجرحه، يكون قد فعل خطية. لكن إن كان قلبه مليء بالمرارة ضد ذلك الشخص وطبعًا من خلال الحديث معه ظهرت تلك المرارة وجرحته، فقد فعل خطية وأيضًا يوجد في قلبه إثم (المرارة وعدم غفران).

لقد قال الله: " إِنِ‪ ‬اعْتَرَفْنَا‪ ‬بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا‪ ‬وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ." 1 يوحنا 1: 9
إن الكتاب المقدس يميز بين الخطية والإثم ويقول بكلمات أخرى، إن أخطأنا بالفعل والقول فالله أمين، وأمانته تجعله يغفر خطايانا. لكنه أيضًا عادل وعدالته تتطلب منا أن نسمح له بأن يطهرنا أيضًا من الآثام التي في القلب.

لذلك يقول: " إِنْ رَاعَيْتُ إِثْماً فِي‪ ‬قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ." مزمور 66: 18
أي إن كنت فقط اعتمد على رحمة وأمانة الله في الغفران، ولم ادعه يُطهر قلبي، أضع حاجزًا بيني وبينه. فيجب أن لا نستخف بعدالة الله باعتمادنا فقط على أمانته ورحمته. طبعًا يوحنا يؤكد لنا أنَّ كل إثم هو خطية (1 يوحنا 5: 17)، لكن الكتاب لا يُعَلِّم أن كل خطية هي نابعة من إثم. وحتى الكتاب مثلاً يميز بين قتل وقتل، فيقول الله لموسى أن يُعيِّن مدن ملجأ لكي يلتجئ لها القاتل بغير قصد:
"... مَنْ ضَرَبَ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ عِلمٍ‪ ‬وَهُوَ غَيْرُ مُبْغِضٍ لهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلهُ." تثنية 19: 4، لقد عرَّف الله نوع جرائم القتل آلاف السنين قبل يومنا الحالي، وميز بين القتل غير المصطحب بالبغض (خطية)، والقتل المصطحب بالبغض (خطية + إثم)، والذي يُدعى بلغة القانون المعاصر، قتل مع سبق الإصرار والترصد.

لم أقصد أن أقدم لك في هذا التأمل درسًا عن أنواع الكذب أو الخطايا، لكن القصد من هذا التأمل هو أن نتعلم أن لا نتعصب ضد حكمة هذا العالم ونرفضها تمامًا دون أن نتفهمها. فيجب أن نطلب من الله أن يعطينا حكمة إلهية لكي نفهم من خلالها حكمة هذا العالم، ونفهم لماذا يفكر الناس ما يفكرون، وما هي مشاكلهم، صراعاتهم، أفكارهم، أهدافهم ..إلخ.
لقد نخسني الله في قلبي تلك الليلة لأني احتقرت كلام ذلك الشخص بنظرية الكذبة البيضاء الكذبة السوداء، وكان قول قلبي عندما قال لي هذا: " آه ما أغباك "، لكني اكتشفت أني أنا الغبي الذي يحتاج أن يتعلم كل يوم من الله عن أفكار الإنسان من خالق الإنسان، بدل أن يدن أو يُحمِّق الإنسان.
إن الكتاب حذرنا من أن نضع الحكمة البشرية فوق الحكمة الإلهية (1 كورنثوس 4: 6)، لكن لم يدعونا أبدًا لأن نتعصب ضد فكر العالم ونرفض حتى البحث في أفكاره.
إن فهمنا لفكر هذا العالم يزودنا بإدراك احتياجات هذا العالم، وأما حكمة الله تزودنا بعلاج تلك الاحتياجات؛ إن فكر العالم أيضًا يزودنا بالأسئلة؛ لكن الأجوبة موجودة فقط في حكمة الله من خلال كلمته.
إن الرفض المتعصب لفكر العالم يجعلنا منعزلين عن العالم وبالتالي غير فعَّالين، لكن عندما بحكمة الله وبروحه نبحث لكي نفهم فكر هذا العالم، ذلك سيساعدنا للوصول إلى هذا العالم الضائع بشخص الحكمة، يسوع المسيح لأنه: "...صار لنا حكمة من الله وبر وقداسة وفداء" 1 كورنثوس 1: 30.

باسم أدنلي

7536 مشاهدة