كيف يكون الله واحد، لكن مثلث الأقانيم؟
الثالوث كما يفهمه الفقهاء المسيحيون من الكتاب المقدس
مقدمة
معنى كلمة أقنوم
هي كلمة سريانية مشتقة من "قنوما"، فيها تكمن عدة معانٍ مثل: "شخص" و"طبيعة" و"ذات" و"كيان" و"ماهية". أي أن الأقنوم هو شخصية أو طبيعة فريدة، مرتبطة بشخصية أخرى بلا انفصال.
ونظيرها باليونانية "هيبوستاسيس". وفي اللاهوت المسيحي باللغة الانكليزية، نقلا عن اليونانية، كلمة (hypostasis) للأقنوم بالمفرد، وكلمة (hypostases) للأقانيم بالجمع. ومن ناحية لاهوتية، تعني ما يقوم عليه جوهر القائم أو الكائن؛ بمعنى كائن في ذات الله الواحد أو في اللاهوت.
وهي كلمة موجودة في الوحي الإلهي، في عبرانيين 1:
"3 الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ (كلمة جوهره تعني: أقنومه، كيانه، ذاته، شخصه.. ὑποστάσεως)، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي" عبرانيين 1.
الفصل الأول:
معنى طبيعة الثالوث المقدس
1- مفهوم الله الواحد المثلث الأقانيم:
الآب هو الله، الابن هو الله، والروح القدس هو الله.
الآب هو ليس الابن أو الروح القدس.
الابن هو ليس الآب أو الروح القدس.
كذلك الروح القدس، هو ليس الآب أو الابن.
لكن الثلاثة هم نفس ذات جوهر الله الواحد.
لنفهم شرح ما سبق، سنستعرض نموذج الإنسان؛ هو روح، نفس وجسد
"وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" 1 تسالونيكي 5: 23
النفس: الفكر، الشعور والإرادة (القلب)
بنفس نمط الشرح السابق للثالوث، نقول: روحي هي أنا كإنسان، نفسي هي أنا أيضًا، وجسدي هو أنا أيضًا. فعندما ترى شخص، لا تقول رأيت جسد فلان (حيث لا ترى نفسه وروحه)، بل رأيت فلان. وعندما ترى روح شخص في الخلود، تقول أيضًا رأيت فلان. لذلك عندما مات الغني في قصة الغني ولعازر في لوقا 16، يقول الوحي أن الغني رأى إبراهيم في الفردوس:
"24 فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الجَحِيمِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ" لوقا 16
مع أنه فعليًا رأى نفس وروح إبراهيم، لكن اعتبره إبراهيم.
إذا بالإشارة لمثل الإنسان، جسد الإنسان هي الإنسان؛ روح الإنسان هي الإنسان؛ ونفس الإنسان هي الإنسان. لكن الروح هي ليست النفس، والنفس ليست الجسد، والجسد ليس الروح...إلخ.
الآب هو الله، الابن هو الله، والروح القدس هو الله.
الآب هو ليس الابن أو الروح القدس.
الابن هو ليس الآب أو الروح القدس.
كذلك الروح القدس، هو ليس الآب أو الابن.
لكن الثلاثة هم نفس ذات جوهر الله الواحد.
2- في الثالوث لكل أقنوم دوره:
وهي النقطة التي ذكرناها في النقطة السابقة. دور كل أقنوم يختلف عن الآخر. فكما كل كيان في الكيانات الثلاثة للإنسان له دوره المختلف والمتميز عن الآخر، لكن الثلاث كيانات هي نفس ذات جوهر الإنسان الواحد. فالجسد له دوره في الحركة والتنفيذ؛ والروح لها دورها في جذب الإنسان للرجوع والاقتران بالله، والنفس لها دورها في قيادة مصير الإنسان الأرضي والأبدي؛ لكني واحد ولست ثلاثة. فكل أقنوم له عمله ودوره، لكنه مرتبط ومعتمد على الأقنوم الآخر. فعندما أفكر، نفسي تفكر، لكن ليست نفسي التي تكتب، بل جسدي. فكل أقنوم من أقانيمي له دوره، وهو مرتبط بالأقنوم الآخر بشكل لا يمكن فصله؛ وهذا يقودنا إلى النقطة الثانية.
دور أقنوم الله الآب، هو القائد والمدبر لكي شيء:
"24 وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ ِللهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ... 28 وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ." 1 كورنثوس 15.
دور أقنوم الابن، هو تنفيذ مشيئة الآب، وإظهاره المرئي:
(الابن) "3 الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي (أي ذراعه اليمين)" عبرانيين 1.
"18 اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" يوحنا 1
(الابن) "15 الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. 16 فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ" كولوسي 1.
أقنوم الروح القدس، يحيي الله في داخل الإنسان، يعلم الإنسان، ويبكته على خطية، بر، ودينونة:
"26 وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" يوحنا 14.
"8 وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ (الروح القدس) يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ 9 أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي (منقطعين عن تعاليم وخلاص المسيح) 10 وَأَمَّا عَلَى بِرّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي (أي هو يقودكم في أعمال الطاعة فيما بعد) وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضًا 11 وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ (يذكرنا بأن إبليس قد دين وانتهى بالنسبة لنا، ونعمل لكي نزيل سيطرته على أناس آخرين في العالم)" يوحنا 16.
3- في الثالوث لا رُتب:
بالرغم من أن النصوص تبرز طبيعة الآب ودوره القيادي للثالوث الإلهي، لكن هذا لا يعني أنه أعظم من أقنوم الابن والروح القدس. فمن جهة التساوي هناك مبدئين هامين:
أولا، التساوي مرتبط بالطبيعة وليس بالأدوار:
مثل تساوي البشر تمامًا أمام الله، فهو غير مبني بتاتًا على الأدوار، فالملك في في عيون الله، مثل الذي ينظف؛ وذلك بناءً على تساويهم بالطبيعته البشرية، وليس بناءً على دورهم في المجتمع.
ثانيًا، عدم التساوي ممكن أن يكون في كيانات منفصلة، وليس في إطار جوهر إلهي واحد:
ولتوضيح هذا سنستعرض كيانات الإنسان الثلاثة أيضًا. لاحظ أنه بالرغم من أن النفس هي التي تقود مصير الإنسان كله وتوجهاته، حتى مصيره الأبدي، أي تقود مصير الروح والجسد. لكن لا نقدر أن نقول أن النفس أهم أو أعظم من الجسد، فنفس بلا جسد يجعل الإنسان في حالة موت سريري (Coma). وجسد بلا نفس، يكون الإنسان مُعاق ومتخلف عقليًا؛ ونفس وجسد بلا روح، يصبح الإنسان كالحيوان. لأن الجسد وِحدة واحدة وجوهر واحد، مع أنه مُثلث الأقانيم؛ لا يوجد فيه كيان أهم من الآخر. فكل أقنوم متساو بالآخر بحسب تساويه في الطبيعة والجوهر؛ لكن مرتبط بالآخر ويُظهر الآخر.
نفس الفكرة نفهمها عن الثالوث الإلهي؛ الآب هو قائد الثالوث، لكنه كأقنوم في نفس الذات الإلهية، متساوي تمامًا مع أقنومي الابن والروح القدس في الذات والجوهر الإلهي الواحد.
4- في الثالوث لا فصل:
في حالة الإنسان الكاملة، لا يمكن أن أفصل جسدي عن نفسي وروحي. فالجسد هو كيان واحد لا يمكن فصله عن بعضه البعض؛ لذلك لا يمكن أعتبار الأقانيم وحدة منفصلة عن بعضها البعض، بل وِحدة واحدة. كذلك الثالوث الإلهي، فالآب والابن والروح القدس، هم جوهر واحد لا يمكن فصلهم عن بعضهم البعض. فعندما تجلى أقنوم الابن في جسد بشري على الأرض، هو لا زال في نفس ذات الآب والروح القدس؛ لذلك عندما صلى المسيح قال مجدني عند ذاتك!
"5 وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ" يوحنا 17.
أي أن الآية تظهر أن أقنوم الابن، في كل فترة تجسده على الأرض، لا يزال في نفس ذات الإله الواحد الذي يملأ السموات والأرض. فلم يختفي في السماء، ولم يخفق في دوره الكوني كأقنوم الله الابن. كذلك الروح القدس نفس الشيء؛ فالله واحد في ثلاث أقانيم، بتميز، بدون انفصال. لذلك يقول:
"قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ الْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" رؤيا 11: 15.
نلاحظ من الآية السابقة، عندما قال أن ممالك العالم صارت لربنا ومسيحية، أي خضعت لملكهما (الاثنين)؛ لا يستخدم الجميع أو المثنى، بل يقول "فسيملك" بالمفرد؛ لأن الله مثلث الأقانيم في جوهر واحد، لا يمكن فصل أقانيمه عن بعضها البعض.
5- للثالوث يوجد وجه وإظهار:
عندما يرونني الناس، يرون جسدي، وليس روحي ولا نفسي، لأن كلا الروح والنفس لا تُرى. كذلك الله، فجميع أظهاراته في العهد القديم، من تجليه لموسى في العليقة وعلى الجبل وظهوره لإبراهيم، كان ظهور أقنوم الابن، وليس الآب، لأن الآب لم يره أحدٌ قط، فالذي يظهره هو أقنوم الابن، الكلمة:
"18 اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" يوحنا 1 (أيضًا: 1 يوحنا 4: 12).
أيضًا أقنوم الله الآب لا يرى: "وَمَلِكُ الدُّهُورِ الَّذِي لاَ يَفْنَى وَلاَ يُرى" (1 تيموثاوس 1: 17)؛ وأيضًا: "الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ" (1 تيموثاوس 6: 16).
فأقنوم الابن هو"... صورة الله غير المنظور.." (كولوسي 1: 15). أي أن الابن، هو الإعلان الكامل والمرئي أحيانًا للذات الإلهية؛ وهو القناة التي من خلالها تظهر ملء القدرة والإرادة الإلهية. فأقنوم الكلمة أيضًا، هو الذراع التنفيذي للذات الألهية، كما عبر الكتاب المقدس عنه، قائلاً:
"3 الذي وهو بهاء مجده (مجد الله الآب)، ورسم جوهره، وحامل جميع الأشياء بكلمة قدرته." عبرانيين 1.
لأنه يقول عن أقنوم الابن، الكلمة "3 كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ (أي خلق)، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ (أي بدونه لم تكن هناك خليقة) 4 فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ (في بأقنوم الكلمة، خُلقت الحياة)، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ" يوحنا 1.
6- في الثالوث تكمن شركة الله في ذاته:
شركة الله تكمن في ذاته، بمعنى أن لا يحتاج للإنسان للشركة.
"22 وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ»." تكوين 3.
(וַיֹּאמֶר יְהוָה אֱלֹהִים, הֵן הָאָדָם הָיָה כְּאַחַד מִמֶּנּוּ, לָדַעַת, טוֹב וָרָע – أي أن قوله "كواحدٍ منا" يعني أن أقانيمه تكلم ذاتها؛ وليس ككلمة "مثلنا"، بجمع التعظيم، مثلا في: "ان صرتم مثلنا بختنكم كل ذكر" כָמֹנוּ (تكوين 34: 15)
نحن مدعوين للشركة مع الله المثلث الأقانيم، في شركته:
"3.. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ." 1 يوحنا 1
"14 نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ" 2 كورنثوس 13.
الفصل الثاني
أرضية الثالوث الكتابية
عهد قديم، أي قبل مجيء المسيح:
"1 فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ 2 وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ 3 وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ" تكوين 1.
"1 قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ." مزمور 110.
فكلمة الرب الأولى هي "يهوة" وهي كلمة متوحدة تطلق فقط على الله؛ والكلمة الثانية هي "لَأدوني"، بفتح حرف اللام، تصبح مُعَرَّفة؛ وهي أيضًا كلمة تتكلم فقط عن الله، وهي تختلف عن كلمة "أدوني" بدون أل التعريف، وتعني سيدي وليس السيد (والعهد الجديد أكد على أنها تعني رب، بمعنى الله؛ متى 22: 41-46 ومرقس 12: 35-37 ولوقا 20: 41-43). لنلاحظ هنا أن الله يكلم نفسه.
"7 إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ (יְהוָה) أَذْكُرُ. تَسَابِيحَ الرَّبِّ. حَسَبَ كُلِّ مَا كَافَأَنَا بِهِ الرَّبُّ وَالْخَيْرَ الْعَظِيمَ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَافَأَهُمْ بِهِ حَسَبَ مَرَاحِمِهِ وَحَسَبَ كَثْرَةِ إِحْسَانَاتِهِ.... 9 فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ (וּמַלְאַךְ פָּנָיו הוֹשִׁיעָם). بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ (أي الله) فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ. 10 وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ فَتَحَوَّلَ لَهُمْ عَدُوّاً وَهُوَ حَارَبَهُمْ." أشعياء 63.
فهنا يذكر الكتاب الله، وملاك حضرته، أي وجهه؛ حضور الله شخصيًا الذي حل كملاكة؛ وتعني رسوله أيضًا. وهذا ما نقوله عن أقنوم الابن، هو الذراع التنفيذي للرب الذي يظهر للبشر؛ أي هو التعبير المرئي للذات الإلهية، مثل أقنوم الجسد في الإنسان، هو التعبير المرئي للروح النفس. لأنه بعدها قال: "هُوَ فَكَّهُمْ "؛ وأيضًا يقول أنهم أحزنوا روح قدسه؛ وهنا نرى الثالوث المقدس بوضوح. حيث أظهر الوحي الإلهي في الكثير من الأحيان، الله يظهر بشكل مرئي كملاك؛ وهو أقنوم الله الابن. أيضًا قال في أشعياء 48، عن إرسالية أقنوم الابن، الكلمة:
"6 بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا." مزمور 33 (نقارنها بآية العهد الجديد: "اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" أفسس 3: 9)
"16 لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ» وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ" أشعياء 48.
"4 مَن صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَن جَمَعَ الرِّيحَ في حُفْنَتَيْهِ؟ مَن صَرَّ الْمِيَاهَ في ثَوْبٍ؟ مَن ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ مَا اسْمُهُ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟" أمثال 30.
وهي آية تتكلم عن الله الذي صعد إلى السموات ونزل؛ وفي نفس الوقت، يربط ظهوره بنزوله وصعوده، بان الله؛ وهي نفس الآية التي ربطها المسيح بنفسه عندما كلم نيقوديموس وقال:
"13وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ" يوحنا 3.
عهد جديد، أي بعد مجيء المسيح:
الآب والابن والروح القدس، متوحدين في الاسم:
"19 فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ." متى 28
مكملين لبعضم البعض بالأدوار:
"14 نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ." 1 كورنثوس 13.
" 4 فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. 5 وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. 6 وَأَنْوَاعُ أَعْمَال مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ." 1 كورنثوس 12.
الآية السابقة، كلمة "الرب واحد" يقصد بها المسيح، لأن ربوبية الله تأتي من خلال ربوبية المسيح:
"6 لكِنْ لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ." 1 كورنثوس 8.
حكمة الله تأت من خلال المسيح:
"27 للهِ الْحَكِيمِ وَحْدَهُ، بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" رومية 16.
مجد الآب، يكمن في مجد الابن:
"11 لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ." 1 بطرس 4.
أيضًا دور الروح القدس بسحب العهد الجديد:
إن العهد الجديد يوضح أن الروح القدس هو شخص، وهو الله، وله صفات ذاتية وشخصية، كأقنوم من أقانيم الله:
1- فيحذرنا الوحي من أن نجرِّب الروح القدس: " 9 فَقَالَ لَهَا بُطْرُسُ: «مَا بَالُكُمَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ الرَّبِّ؟" أعمال 5. وتجريب الروح، نظر له الوحي بنفس لخطورة، لخطية تجريب الله شخصيًا؛ كما أكد المسيح: "7... لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ" متى 4.
2- الروح القدس يشهد: " 32 وَنَحْنُ شُهُودٌ لَهُ بِهذِهِ الأُمُورِ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ أَيْضًا، الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ»” أعمال 5.
3- يتكلم: أعمال 10: 9 و13: 2 و20: 23؛ وهو بنفسه الذي كلم الأنبياء في القديم: "25 فَانْصَرَفُوا وَهُمْ غَيْرُ مُتَّفِقِينَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، لَمَّا قَالَ بُولُسُ كَلِمَةً وَاحِدَةً: إِنَّهُ حَسَنًا كَلَّمَ الرُّوحُ الْقُدُسُ آبَاءَنَا بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ" أعمال 28.
4- يقود ويرشد المؤمنين: "6 وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا. 7 فَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مِيسِيَّا حَاوَلُوا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى بِثِينِيَّةَ، فَلَمْ يَدَعْهُمُ الرُّوحُ." أعمال 16.
5- يختار ويفرز أناس للخدمة والعمل: "28 اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ." أعمال 20.
6- يحزَن: "30 وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ" أفسس 4.
الفصل الثالث
أسئلة عن الثالوث
هل ذكرت كلمة الثالوث في الكتاب المقدس؟
كما قلنا كلمة أقنوم، هي كلمة كتابية موجودة في الوحي، أما كلمة "الثالوث"، للدلالة على أقانيم ثلاثة لله والواحد، فهي غير موجودة حرفيًا في الوحي. لكن في كل العلوم، والفقه كباقي العلوم، أحيانًا يطرح الفقهاء مصطلحات غير موجودة في الكتب، لكي يدلوا على منظومة معينة موجود في الوحي، لكي يعرفوا عنها بكلمة واحدة. فإذا أخذنا مثلاً الفقه الإسلامي؛ من أكثر الأشياء التي يركز عليها المسلمون هي التوحيد، ودائمًأ تسمع هذا المصطلح يُعلَّم، يُخطب به، يشدد عليه...إلخ. لكن هل توجد كلمة "التوحيد" حرفيًا ككلمة في القرآن الكريم؟؟ الجواب هو لا؛ فكلمة توحيد ككلمة حرفية ليس لها وجود في القرآن، لكنها تدل على أيات قرآنية تعلم عن التوحيد وتدل عليه. أيضًا أركان الإسلام الخمسة؛ وأركان الإيمان الستة...إلخ، عند أحيائنا المسلمين، لا توجد تعابير حرفية في نصوصهم المقدسة كهذه. كذلك الثالوث كأصطلاح، هي كلمة غير موجودة حرفيًا في الكتاب المقدس، لكن طرحها الفقهاء المسيحيون، ليدلوا عن جانب من طبيعة الله الظاهر في كتابه، أنه إله واحد، بأقانيم ثلاثة؛ حيث، كما قلنا، كلمة "أقنوم" موجودة في الوحي.
كيف يكون 1 + 1 + 1 = 1 وليس 3 ؟
عدد كبير من النقاد الذين ينتقدون فكرة الثالوث؛ يقولون لك:
كيف يكون 1 + 1 + 1 = 1؟ أين المنطق في هذا؟!
إن خطأهم الرياضي هو أنهم في استخدام هذه المعادلة، يفترضون أن الله = 1! الله لا يساوي واحد، أي أن قيمته الرقمية ليس مقدارها "1"؛ وإلا، لكان من أصغر الأعداد في الوجود بالقيمة (والعياذ بالله)! لكن الله واحد، بمعنى أنه وحيد، أوحد لا ينتقص منه شيء، ولا يُضاف إليه شيء؛ وفي نفس الوقت، هو غير محدود. لذلك، أقرب رقم ممكن أن نعبر به عن الله في الرياضيات، هو ما لا نهاية ( ∞ ) (طبعًا الله لا يتشبه بأي شيء، لكن نقولها فقط لكي نفهم العقلاء). فالما لا نهاية، هي أقرب رقم ممكن أن نستخدمه للتعبير عن "الله" غير المحدود. فالما لا نهاية هي واحدة؛ أي لا يمكن تجزئتها، ولا يمكن مضاعفتها، ولا يمكن الانتقاص منها أو الإضافة لها. لأنها واحدة ووحيدة؛ والله أيضًا عدد غير محدودة. إذا المعادلة الصحيحة هي:
∞ + ∞ + ∞ = ∞
و ∞ x ∞ x ∞ = ∞
و إذا قسمنا ∞ على 3، يكون الجواب أيضًا = ∞
هذا درس رياضيات مجاني، لله مؤسس علم الرياضيات، ليبرهن أن فكرة الثالوث هي ليست غير منطقية حتى في علم الرياضيات، إذا عوضنا بها الأرقام الصحيحة. فخطأ هؤلاء الدائم في قضية الثالوث، هي أنهم لا يقدرون أن يفكروا بالله ككائن غير محدود وفوق إدراك وإحصاء البشر؛ بل يحاولون دائمًا إدخاله داخل صندوق فكرهم المحدود؛ فيوقعوا أنفسهم بأقصى درجات الغباء، لأنهم يرفضوا فتح قلوبهم للفهم. فيعوضوا عن الله برقم 1 في المعادلة!! أي يفترضون أن قيمته الرقيمة = 1 (والعياذ الله)!!
باسم أدرنلي - القدس 09/ 04/ 2023