الآيات: "3 اَللهُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ، وَالْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. سِلاَهْ. جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ، وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ. حبقوق 3.
أيضًا تثنية 33 "2 فَقَالَ: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رِبْوَاتِ الْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ."
الاعتراض: أليست هذه الآيات نبوءة على مجيء محمد نبي المسلمين؛ حيث فارات هي مكة، ومن أتى من مكة في كل التاريخ الكتابي غيره؟
الرد: للرد على هذا الطرح، نقول الآتي:
أولا، فاران بعيدة كل البعد عن مكة!
الحقيقة فاران ليس لها أي علاقة بمكة إطلاقًا؛ حتى مكة نفسها ليس هناك دليل في التاريخ والآثار بوجودها قبل القرن الرابع الميلادي. فاران هي برية في سيناء، في الجهة المقابلة لمدينة العقبة الأردنية؛ وتمتد من وسط إلى جنوب سيناء [1]. ونعلم هذا أيضًا من نفس نصوص الكتاب المقدس؛ مثلا:
"18 وَقَامُوا مِنْ مِدْيَانَ وَأَتَوْا إِلَى فَارَانَ، وَأَخَذُوا مَعَهُمْ رِجَالاً مِنْ فَارَانَ وَأَتَوْا إِلَى مِصْرَ، إِلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأَعْطَاهُ بَيْتًا وَعَيَّنَ لَهُ طَعَامًا وَأَعْطَاهُ أَرْضًا" 1 الملوك 11.
نرى من الآية، برية مديان، في المناطق النبطية، منها ذهبوا لبرية فاران، مقابلها في سيناء، ومنها إلى مصر. من مديان لفاران، خط افقي نحو الغرب مستقيم، إلى مصر. لا يمكن أن تكون فاران مكة! تصور لو من مديان (منطقة البتراء)، ذهبوا لمكة، ومنها لمصر!! لماتوا في الطريق!
ثانيًا، خرافة إسلامية ليس لها أي دليل:
لا يوجد أي دليل لدى المسلمين بأن فاران هي مكة، والكلمة ليس لها ذكر في أي حديث، وطبعًا كتاب القرآن هو كتاب ضيق، بالكاد يذكر مكة نفسها، ويذكرها مرة واحدة فقط!
في ويكيبيديا عربي (ar.wikipedia.org) تحت عنوان (برية فاران)؛ يدعي المسلمون بأن كاتب اسمه ياقوت الحموري، كتب في القرن الـ 13، "أن فاران هي مكة، وهي جبال مجاورة للمدينة المنورة"! وطبعًا لا يذكروا أي مرجع؛ وحتى لو ذكروا؛ أي مصداقية ستكون لمرجع كتب بعد الإسلام بـ 600 سنة!
بينما موقع ويكيبيديا إنكليزي (en.wikipedia.org)، تحت عنوان (Paran)، يستعرضون مرجعًا يذكر أن فاران تقع من منتصف إلى جنوب شبة جزيرة سيناء [1].
ثالثًا، يبرهن المسلمون بحجتهم، أن الكتاب المقدس أصدق من القرآن والإسلام:
استخدام المسلمون للكتاب ليبرهنوا مصداقية نبي الإسلام محمد، هو برهانٌ صارخ أنهم يعترفون ضمنًا أن الكتاب المقدس تاج رؤوسهم وأعلى مصداقية من القرآن وكل شيء إسلامي. فبعد فشلهم على مدار 12 قرن لبرهان نبوة نبيهم، بسبب شعورهم المزمن بصغر النفس من جهة مصداقية نبيهم، لذلك حاولوا كل تاريخهم البحث عن براهين تصادق على نبوته!! فبدأوا في التاريخ الحديث أن يبحثوا عن مصداقيته من الكتاب المقدس. فكتب كتاب "إظهار الحق" للكاتب "رحمت الله الهندي"، الذي كتبه سنة 1864، وحاول أن يبرهن من خلاله مصداقية نبي الإسلام محمد من الكتاب المقدس (الجزء الثاني، الصفحات: 67-91). وبهذا أعلنوا أمام الجميع فوقية الكتاب المقدس على القرآن والإسلام.
فعلى سبيل المثال، عندما يريد شيخ مسلم المصادقة على مشيخته، لا يأخذها من روضة أطفال مثلا، ولا يأخذها من طالب معه في الجامعة. بل يجب أن يأخذها من جهة أعلى مصداقية منه، مثل الأزهر أو مؤسسة أخرى.
لهذا عندما يلتجئ المسلمون للكتاب المقدس للمصادقة على نبيهم، يعترف المسلمون بشكل لا يقبل أي شك، أن الجهة المُصَادِقة (الكتاب المقدس) أعلى مصداقية من المُصادَق عليه (نبي الإسلام محمد، القرآن والإسلام). نعم فعلا، الكتاب المقدس أعلى سلطة، وأصدق كتاب في الوجود، وتاج رؤوس جميع المسلمين وجميع العالم. وأنا أهنئ جميع المسلمين الذين يستخدمون الكتاب المقدس في هذا المجال. آسف، أخي القارئ، هذه حقيقة، والحقائق لا تحترم شعور أحد.
رابعًا، ما هو تفسير نص المعترض أعلاه؟
لكي نفسره، نحتاج أن نورد النص الأصلي الذي استشهد به حبقوق، من تثنية:
"2 فَقَالَ: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رِبْوَاتِ الْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ." تثنية 33.
وطبعًا الحدث يتكلم عن نزول التوراة على جبل فاران، أي جبل حوريب (تثنية 4: 15 و29: 1)، الذي في برية فاران. حيث يستكمل النص بالأعداد التالية:
"3 فَأَحَبَّ الشَّعْبَ. جَمِيعُ قِدِّيسِيهِ فِي يَدِكَ، وَهُمْ جَالِسُونَ عِنْدَ قَدَمِكَ يَتَقَبَّلُونَ مِنْ أَقْوَالِكَ (أقوال الله). 4 بِنَامُوسٍ أَوْصَانَا مُوسَى مِيرَاثًا لِجَمَاعَةِ يَعْقُوبَ (أي لليهود)" التثنية 33.
وليس هذا فقط، بل وحي العهد الجديد، أشار لهذه الآية عن عظمة الله الذي تكلم مع شعب إسرائيل، وكم نخطئ إذا كنا نهمل كلام الذي نزل من السماء نفسه معنا – المسيح:
"25 اُنْظُرُوا أَنْ لاَ تَسْتَعْفُوا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ أُولئِكَ لَمْ يَنْجُوا إِذِ اسْتَعْفَوْا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الأَرْضِ، فَبِالأَوْلَى جِدًّا لاَ نَنْجُو نَحْنُ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ!" عبرانيين 12.
وهذا دليل إضافي على أن السياق، يتكلم عن ميراث ناموس موسى، الذي أنزله الله على يعقوب، أي بني إسرائيل.
إضافة على ما سبق، ألم ينظر "عباقرة" المسلمين للأفعال!!! إن جميع الأفعال في الآية في الماضي: "جاء الرب.. أشرق.. تلألأ.. أتى"! كلها أفعال بالماضي، وليس بالمستقبل. وذلك لأن موسى في تثنية 33؛ كان يخطب الخطاب الثالث للشعب والأخير، قبيل موته (في تثنية 34). وفعلا نزول التوراة حدث في الماضي؛ قبل هذا الحدث بحوالي 40 سنة (biblehub.com/timeline). فللأسف، معظم النقاد المسلمين، خبراء في أخذ آيات خارج عن سياقها وتفسيرها السليم العلمي!
باسم أدرنلي
[1] Brisco, T.V. (1982). Geoffrey W. Bromiley (ed.). International Standard Bible Encyclopedia: E-J (Revised ed.). Wm. B. Eerdmans Publishing. p. 241. ISBN 978-0-8028-3782-0.