الآيات: " 1 أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي يُكْرِمُ الأَخِيرُ طَرِيقَ الْبَحْرِ عَبْرَ الأُرْدُنِّ جَلِيلَ الأُمَمِ 2 اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظَلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ."
بالمقارنة مع متى 4 " 14 لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ 15 أَرْضُ زَبُولُونَ وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ طَرِيقُ الْبَحْرِ عَبْرُ الأُرْدُنِّ جَلِيلُ الأُمَمِ 16 الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُور."
الاعتراض: لماذا يوجد اخلاف بسيط بين الفقرتين؟
الرد: كما قلنا سابقًا، طالما الوحي لا يضع علامات الاقتباس ""، يكون الاقتباس تفسيري، وفيه يحق له أن يعيد صياغة الجملة بأسلوبه الخاص. فالفكرة العامة في الآية هي نفسها تمامًا؛ أن أرض زبولون ونفتالي؛ من ساحل البحر إلى عبر نهر الأردن، إلى الجليل الأعلى؛ جميع تلك الشعوب والتي تخص بالذكر الأمم؛ مثل العرب والفنيقيين، قد أبصرت نور الحياة التي في المسيح، بعدما كان سائد عليهم الموت المظلم.
باسم ادرنلي
الآيات: "12 وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ"
أيضًا أيوب 37 "3 تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ يُطْلِقُهَا، كَذَا نُورُهُ إِلَى أَكْنَافِ الأَرْضِ (أي زوايا الأرض)"
وأيوب 38 "12 لِيُمْسِكَ بِأَكْنَافِ الأَرْضِ، فَيُنْفَضَ الأَشْرَارُ مِنْهَا؟"
وحزقيال 7 "2 وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لأَرْضِ إِسْرَائِيلَ: نِهَايَةٌ! قَدْ جَاءَتِ النِّهَايَةُ عَلَى زَوَايَا الأَرْضِ الأَرْبَعِ"
ورؤيا 20 "8 وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ الأُمَمَ الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ"
ورؤيا 7 "1 وَبَعْدَ هذَا رَأَيْتُ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ، مُمْسِكِينَ أَرْبَعَ رِيَاحِ الأَرْضِ لِكَيْ لاَ تَهُبَّ رِيحٌ عَلَى الأَرْضِ، وَلاَ عَلَى الْبَحْرِ، وَلاَ عَلَى شَجَرَةٍ مَا"
الاعتراض: هل الارض مربعة أو لها أربعة زوايا!!! أي خرافة هذه؟؟
الرد: للرد على هذا الاعتراض، نقول الآتي:
أولا: ما هو تفسير النصوص السابقة؟
إن العامل المشترك في جميع النصوص الشعرية السابقة، هو موضوع سلطان الله المتحكم والسائد على الأرض، ودينونته للأشرار. لذلك الوحي يشبه الأرض ببطانية لها أربعة أطراف، يقف على كل طرف منها ملاك، لينفضها من الحشرات والقش والغبار الذي علق بها على مدار الليل والهدوء. وهذه الصورة يوضحها أيوب بدقة كما نرى أعلاه، بقوله: "12 لِيُمْسِكَ بِأَكْنَافِ الأَرْضِ، فَيُنْفَضَ الأَشْرَارُ مِنْهَا؟" (أيوب 38). كذلك الله يمهل الأشرار ويكون ساكن معهم سكون الليل إلى حين؛ إلى أن يأت الوقت ويطلع النهار، فينفض الله غبارهم، حشراتهم وقشهم منها. وترجع نظيفة وصالحة للنوم مرة أخرى للصالحين، كما كانت. وهي عملية بسيطة كان يفعلها الناس في القديم كل الوقت، بعدما ينامون في البر؛ وتشبيه رائع ليصوِّر طريقة تمعامل الله مع الأشرار الذي على الأرض.
ثانيًا: إن التعابير: "زوايا الأرض" "أكناف الأرض" "أطراف الأرض"، موجودة فقط إمَّا في الأسفار النبوية (مثل أشعياء، حزقيال والرؤيا)؛ أو الشعرية (مثل أيوب)؛ ولن يستطع المعترض أن يورد أي مثال آخر من أسفار من نوع آخر. بل نجدها فقط في الأسفار التي تستخدم الأدب الشعري التشبيهي.
ثالثًا: التعابير الشعرية لا تؤخذ دائمًا بشكل حرفي. إن وحي الأسفار النبوية والأسفار الشعرية، يستخدم رموزًا وتشابيهًا شعرية؛ لذلك في علم التفسير لجميع الأشعار، لا تؤخذ التعابير والتشابيه الشعرية دائمًا بشكل حرفي، بل أحيانًا تؤخذ بشكل تشبيهي تمثيلي، مجازي ورمزي.
فعندما يصف مثلا الشاعر أحمد شوقي قصر أنس الوجود وقد غرق بعضه في الماء، وانتصب بعضه في الفضاء، فيقول:
قِف بِتِلكَ القُصورِ في اليَمِّ غَرقى مُمسِكاً بَعضُها مِنَ الذُعرِ بَعضا
مؤكد أننا لا نقدر أن نفترض أنه يتكلم هنا بشكل حرفي، بأن عمدان القصر خائفون من الغرق، لذلك يمسكون ببعضهم البعض من الذعر!! بل هو تشبيه مجازي جميل.
رابعًا: لا يمكن قياسها بشكل علمي. فتلك التعابير هي صور وتشابيه شعرية نجدها في الأدب القديم، ولا يجوز أن تقاس بالمقاييس العلمية أبدًا؛ لسبب بسيط، وهو أن هدفها ليس العلم. فإذا أردنا أن نقيس شعر أحمد شوقي السابق من منظور علمي، سنستنتج أن الشاعر هنا، إما كان تحت تأثير المخدرات أو الخمور أو قد فقد عقله، وهذا خطأ!!
مثال آخر يبين أهمية عدم الخروج عن هدف النص: إذا كتب عالم فلك مثلا شعر لحبيبته، وقال لها: "وجهك كإشراق الشمس"؛ لا يحق لعالم آخر أن يحكم على شعره من منظار فكلي!! أن يقول عنه مثلا أنه ارتكب خطأ علمياً فادحا؛ لأن الشمس لا تشرق، بل هي قائمة في مكانها، والأرض هي التي تدور حولها...إلخ!! فالقضية الهامة هنا التي لا ينتبه لها الكثير من النقاد، هي أنه طالما العالم السابق لم يقصد أن يقدم محاضرة علمية بتلك القصيدة، بل ببساطة كتب شعر لحبيبته؛ لا يحق للناقد أن يقيس شعره بالمقاييس والحقائق العلمية، لأنه ليس هدفه العلم، بل الغزل.
هكذا كلمة الله، هدفها روحي لتغيير حياة الإنسان الروحانية والأدبية؛ ولم يوحي بها الله لكي يقدم للإنسان محاضرة علمية، لذلك لا يجوز أن تقاس بالمعايير العلمية، لأن هدفها ليس العلوم.
خامسًا: جدير بالذكر أيضًا، أنه حتى لو كان هدف الوحي الكتابي روحي وأدبي، لكن هذا لا يعني أنه خال من الإعجاز العملي. لذلك نرى أن سفري أشعياء وأيوب من الأسفار أعلاه، اللذان استخدما تعابير: "أكناف الأرض" و "أطراف الأرض"، كشفا عن حقيقتين علميتين عن الأرض، لا يمكن أن يدركهما كاتب عادي في زمنهما، إلا إذا أوحى لهما خالق الكون بهذا.
مثلا أشعياء الذي أورده المعترض، الذي قال أعلاه: "أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ"، يؤكد لاحقًا في وحيه أن الأرض كروية: "22 الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ (أو دائرة الأرض) وَسُكَّانُهَا كَالْجُنْدُبِ. الَّذِي يَنْشُرُ السَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ، وَيَبْسُطُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ" أشعياء 40. ونفس سفر أيوب الذي أورده الناقد، الذي يقول أعلاه مرتين: "أكناف الأرض"، يؤكد أن الأرض معلقة على لا شيء: "7 يَمُدُّ الشَّمَالَ عَلَى الْخَلاَءِ، وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ." أيوب 26!!!
فكيف لأشعياء الذي قال "أطراف الأرض" أن يعرف أن الأرض كروية أو دائرية سنة 720 قبل الميلاد؟؟!! وكيف لأيوب الذي قال "أكناف الأرض"، الذي كتب سفره 2000 عام قبل الميلاد، أن يعرف أن الأرض معلقة على لا شيء؟؟ إلا إذا كان الله الخالق فعلا من أوحى لهما بهذا.
باسم ادرنلي
الآيات: "16 وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ."
أيضًا هوشع 13 " 16 تُجَازَى السَّامِرَةُ لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا. بِالسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ وَالْحَوَامِلُ تُشَقُّ"
الاعتراض: ما هذا التوحش، تحطم الأطفال وتُشق الحوامل؟؟ هل يعقل أن يكون هذا كتاب من الله، ويأمر بوحشية كهذه؟؟
الرد: إن كلا النصين أعلاه، لا تعبر عن أمر الله أو حتى إرادته أو مشيئته؛ بالعكس، نرى في النصين الله يحذر الشعوب من الشر الآتي عليهم لكي لا يصيبهم أو لكي يحميهم منه. فالشر المذكور في النصين هو ليس من الله إطلاقًا، بل من مملكتا بابل ومادي وفارس في نص أشعياء. ومن شر الأشوريين في نص هوشع. في النص الأول، الله فيه أيضًا فيه يحذر البابليين، لأن الله سيدينهم على شرهم؛ وذلك قبل حدوث الأمر بـ 150 سنة على الأقل. يكمن هذا التحذير في الآية 11 من نفس فصل أشعياء 13: " وَأُعَاقِبُ الْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى إِثْمِهِمْ وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَأَضَعُ تَجَبُّرَ الْعُتَاةِ". لكن طبعًا ليس الله الذي سيفعل هذا الشر؛ بل سيرفع يد الحماية عنهم، ليأتي الفارسيين والماديين (وهم الأكراد اليوم) ويحطموا أطفالهم ويفضحوا نسائهم؛ فيقول الرب:
"17 هَئَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ الْمَادِيِّينَ الَّذِينَ لاَ يَعْتَدُّونَ بِالْفِضَّةِ وَلاَ يُسَرُّونَ بِالذَّهَبِ 18 فَتُحَطِّمُ الْقِسِيُّ الْفِتْيَانَ ولاَ يَرْحَمُونَ ثَمَرَةَ الْبَطْنِ. لاَ تُشْفِقُ عُيُونُهُمْ عَلَى الأَوْلاَدِ. 19 وَتَصِيرُ بَابِلُ بَهَاءُ الْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ الْكِلْدَانِيِّينَ كَتَقْلِيبِ اللَّهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ. 20 لاَ تُعْمَرُ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ تُسْكَنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ وَلاَ يُرْبِضُ هُنَاكَ رُعَاةٌ." أشعياء 13.
أما في نص هوشع الثاني، الله يحذر شعب إسرائيل في المملكة الشمالية، بأنهم إذا تمادوا في عبادة الأوثان واستمروا برفض نداءات الأنبياء لهم بالتوبة؛ وذلك بعبارة " لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا "؛ فسيأتي وقت فيه الله سيرفع حمايته عن شعبه، فيسلموا ليد الأشوريين الأشرار، فيأتي الأشوريين ويحطموا أطفالهم، ويشقوا النساء الحوامل من الشعب.
جدير بالذكر أيضًا أن النصين يصوران شيئًا هامًا عن طبيعة الله؛ وهي كم هو إله عادل ليس عنده تمييز في القضاء بين شعبه الموحِّد وباقي الشعوب الوثنية. فيتعامل مع شعبه (كما في النص الأول) بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع باقي الشعوب (مع البابليين في النص الثاني). وهذا يظهر لنا كم هو عادل وإله حق؛ فلم ينصر شعبه صالحًا وطالحاً، بل قاضاهم وعاقبهم بالرغم من أنهم شعب موحد، بنفس الطريقة التي عاقب بها باقي الشعوب الوثنية. وهذا يعلم المؤمنين بأننا يجب أن لا نميز في القضاء والحق بين المؤمن والكافر.
شرح موسع:
إن الله لا يفعل الشر بل يأذن أحيانًا به، لأنه أعطى الإنسان إرادة حرة أدبية ليختار. فالكتاب المقدس يميز بين مبدئين هامين بخصوص الحدث الذي يحدث في حياة الإنسان: إذن الله ومشيئة الله. فلا شيء يحدث في العالم دون أن ياذن الله بحدوثه؛ كما يقول في متى 10: " 29 أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ (أي بدون إذن الله)". لكن هناك أشياء هي ليست بحسب مشيئته، لكنه بسبب الإرادة الحرة التي استأمن الإنسان عليها، يسمح بحدوثها. مثلا عندما يقتل مجرم شخص بريء؛ هذا ليس بحسب مشيئة الله، لكن الله يأذن به أحيانًا، لأنه أعطى الإنسان إرادة حرة أدبية، سواء استخدمها للشر أم للخير. كما قال لشعبه: " 15 «اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلتُ اليَوْمَ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالخَيْرَ وَالمَوْتَ وَالشَّرَّ ... 19... قَدْ جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ. البَرَكَةَ وَاللعْنَةَ. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لِتَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" تثنية 30. فعندما يختار الإنسان الشر، الله يأذن أحيانًا بحدوثه؛ لكنه ليس بحسب مشيئته الصالحة للإنسان؛ فإرادة الله أو مشيئتة ليس فيها أي شر؛ بل هي صالحة وكاملة ومرضية للإنسان ولله؛ كما قال في رومية 12: " 2 وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ". وهذه الإرادة الصالحة، تكمن في اختيار الإنسان للخطة التي أعدها الله لإنقاذ الإنسان، عندما يختار قبول يده الممتدة له، خلال كفارة المسيح؛ ويعيش خيارات مبنية على المحبة في كل حياته؛ كما يؤكد الوحي: " 23 وَهَذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِاسْمِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً" 1 يوحنا 3.
لتفسير الفرق بين الإذن والمشيئة، سنأخذ مثالاً كثيرًا ما يختبره الآباء. فعندما يُصر الابن مثلا على الارتباط بفتاة غير مناسبة له، بحسب نظرة الأب؛ ويحاول أقناعه وتفهيمه عن الأسباب. فبعد إصرار الابن على عدم السماع لنصيحة أبوه، ربما يأذن الأب للابن بأن يرتبط بها؛ لكن إذنه هذا، لا يجسد مشيئة وإرادة الأب لإبنه. بل يوافق على الزواج، لأن الأب قد أعطى ابنه إرادة حرة ليختار شريكة حياته، وليس لأنه موافق فعلا على خيار ابنه. وخيار ابنه لا يجسد مشيئة أبوه، بالرغم من أن أبوه أذن له بأن يرتبط بها. هكذا الفرق بين إذن الله ومشيئة الله.
باسم ادرنلي
الآيات: " 12 كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ "
مقارنة مع رؤيا 22 " 16 أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِير."
الاعتراض: إن كتب التفاسير المسيحية تشير إلى أن الآية في نص أشعياء 14، تتكلم عن إبليس، ويصفه بزهرة بنت الصبح، وهو نوع كوكب، لبنت الصبح؛ لكن في نفس الوقت، رؤيا 22، يصف المسيح بكوكب الصبح المنير؛ فهل إبليس هو نفس المسيح؟
الرد: إن النصين يختلفان عن بعضهما البعض بشكل قاطع؛ فالوصف المستخدم في أشعياء بالعبري هو: "هيليل بن شاحر" ويعني "نجم ابن الفجر" أي قبل طلوع الصبح. وهو نجم خاص يظهر قبل طلوع الشمس بقليل. نعلم هذا يقينًا لأن هذا تمامًا ما فهمه السبعون شيخ الذين ترجموا العهد القديم لليوناني في الترجمة السبعينية؛ التي أجريت حوالي 130 سنة قبل مجيء المسيح. بينما وصف المسيح نفسه في سفر الرؤيا: "لامبروس كاي أورثينوس أستار" أي "المنير والصبح كوكب (كوكب الصبح المنير)". فالكلمات هنا تختلف اختلافًا مطلقًا؛ فكلمة "بروي – أي فجر" تختلف قطعيًا عن كلمة "أورثينوس – أي صبح"؛ وكلمة "أيوسفوروس – وهو نجم الفجر، وهو نجم يظهر قبيل طلوع الشمس" وبين "أستار – وهو كوكب الصبح؛ أي الشمس".
التفسير الفقهي:
لقد وصف الوحي إبليس بالنجم الباهت الذي يظهر قليلا قبيل طلوع الصبح (أي الشمس)؛ لأنه في النص، يصفه الوحي بأنه أراد أن يضع نفسه مكان الله، كما يتابع الوحي في أشعياء 14، ويقول: " 13 وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ". لاحظ وصف "كوكب الله" وهو ذاته كوكب الصبح المنير، أي الشمس ذاتها. فالشر، يضيء قليلاً، بضيائه الباهت، لكن سرعان ما يظهر النور الإلهي العظيم والمجيد؛ نور الشمس الذي لا يقف أمامه نور. كما يصف الوحي نجاح الأشرار اللحظي في مزمور 73، كفناء حلم عن التيقظ "19 كَيْفَ صَارُوا لِلْخَرَابِ بَغْتَةً! اضْمَحَلُّوا، فَنُوا مِنَ الدَّوَاهِي. 20 كَحُلْمٍ عِنْدَ التَّيَقُّظِ يَا رَبُّ، عِنْدَ التَّيَقُّظِ تَحْتَقِرُ خَيَالَهُمْ." كما يتابع الوحي في نفس نص أشعياء ويقول: " 15لَكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ". بينما يؤكد الكتاب أن كلمة الله تجعل كوكب الصبح، أي النور الإلهي، يسطع في قلوبنا: " 19 وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،" 2 بطرس 1. إذًا المسيح هو الله، وهو كوكب الصبح المنير؛ وشمس البر (ملاخي 4: 2). وشتان بين الشمس، ونجم أيوسفوروس الباهت الذي يظهر قليلأ عند الفجر، قبيل طلوع الشمس الإلهية؛ لتمسحه من المشهد تمامًا.
باسم أدرنلي
الآيات: "11 وَصَارَتْ لَكُمْ رُؤْيَا الْكُلِّ مِثْلَ كَلاَمِ السِّفْرِ الْمَخْتُومِ الَّذِي يَدْفَعُونَهُ لِعَارِفِ الْكِتَابَةِ قَائِلِينَ: «اقْرَأْ هذَا». فَيَقُولُ: لاَ أَسْتَطِيعُ لأَنَّهُ مَخْتُوم. 12 أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: «اقْرَأْ هذَا». فَيَقُولُ: « لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ »"
الاعتراض: أليس هذا النص يتكلم عن محمد ص نبي المسلمين، لأنه معروف أنه كان نبي أمِّي، حيث يؤمن المسلمين أنه عندما زاره الملاك، قال له: "إقرأ"، فقال "ما أنا بقارئ"!! فلماذا لا يتكلم هذا النص عنه، حيث يذكر شخص يقدم له الكتاب، ويقول "لا أعرف الكتابة" ؟؟
الرد: إن نص أشعياء 29، ليس له علاقة بنبي المسلمين أبدًا، حيث يتكلم عن وضع الشعب على وقت أشعياء؛ فيخاطب أريئيل، وهي كلمة تعني حرفيًا "أسد" بمعنى: "قائد" "رائد"، والوحي ينسب الكلمة لمدينة داود وهي أورشليم؛ أي المدينة الرائدة القائدة لجميع أرض مملكة داود. فيتوعَّدها الله بسبب تمرد شعب يهوذا، ويقول:
"1 وَيْلٌ لأَرِيئِيلَ، لأَرِيئِيلَ قَرْيَةٍ نَزَلَ عَلَيْهَا دَاوُدُ. زِيدُوا سَنَةً عَلَى سَنَةٍ. لِتَدُرِ الأَعْيَادُ 2 وَأَنَا أُضَايِقُ أَرِيئِيلَ فَيَكُونُ نَوْحٌ وَحَزَنٌ..." (أشعياء 29). نرى تعبير "أريئيل" بمعنى: "رأس" "قائد"، من عدة نصوص في الكتاب، مثل 2 صموئيل 23 "20 ... هُوَ الَّذِي ضَرَبَ أَسَدَيْ مُوآبَ،..." أي قادة موآب، وهي نفس كلمة "أريئيل" (انظر أيضًا لـ 1 أخبار 11: 22).
فيصف الوحي في أشعياء 29، تمرد الشعب وعدم صدقه في عبادة الله!! ولمجازاته، الله سيكثر غباء الشعب، ويغمض عيونه وقلبه من الفهم، فيكمل ويقول:
" 10 لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَكَبَ عَلَيْكُمْ رُوحَ سُبَاتٍ وَأَغْمَضَ عُيُونَكُمُ. الأَنْبِيَاءُ وَرُؤَسَاؤُكُمُ النَّاظِرُونَ غَطَّاهُمْ 11 وَصَارَتْ لَكُمْ رُؤْيَا الْكُلِّ مِثْلَ كَلاَمِ السِّفْرِ الْمَخْتُومِ الَّذِي يَدْفَعُونَهُ لِعَارِفِ الْكِتَابَةِ قَائِلِينَ: «اقْرَأْ هذَا». فَيَقُولُ: «لاَ أَسْتَطِيعُ لأَنَّهُ مَخْتُومٌ» (أي مغلق). 12 أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: «اقْرَأْ هذَا». فَيَقُولُ: « لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ»."
أي تصبح الكتب مثل الألغاز غير المفهومة، لأن الشعب لا يريد أن يتبع الرب من كل قلبه، فيقول النص أن الله "سَكَبَ عَلَيْكُمْ رُوحَ سُبَاتٍ وَأَغْمَضَ عُيُونَكُمُ "؛ ويظهر النص السبب في فعل الله لهذا، وهي قضية عدم صدق قلب الشعب في عبادة الله، وتفضيل وصايا الناس والتقاليد، على وصايا الله. وذلك من الآية التي تتبعها مباشرة، حيث تفسر ما هو السبب للآيات السابقة!!!
" 13 فَقَالَ السَّيِّدُ: «لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي، وَصَارَتْ مَخَافَتُهُمْ مِنِّي وَصِيَّةَ النَّاسِ مُعَلَّمَةً" أشعياء 29،
والنصوص النبوية في معظم الأحيان، تتكلم عن حالة حدثت وقت نزولها، وأيضًا تتكلم عن بُعد نبوي سيحدث في المستقبل. فيتكلم النص عن اليهود على زمن أشعياء المرائين. لكن من ناحية نبوية، يتكلم النص هذا عن اليهود على وقت المسيح، وليس على محمد ص أبدًا، لأن المسيح أكد على هذا التفسير بذاته، حيث استشهد في الآية التي تليها (عدد 13) في مرقس 7؛ رابطًا اياها في حالة اليهود الذين رفضوه:
"6 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«حَسَنًا تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ الْمُرَائِينَ! كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ (في النص أعلاه): هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا، 7 وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ"
فبقول المسيح: "حسنا تنبأ أشعياء عنكم"، يؤكد دون أي أدنى شك، أن نص المعترض هو نبوئة عن اليهود المرائين على زمن المسيح، وليس له أي علاقة بنبي المسلمين أبدًا.
باسم أدرنلي
ما معنى "إنسان أمي"، بحسب المفسرين المسلمين؟
من الناحية الثانية، يظن الكثير من المسلمين أن كلمة "أمي" في سياق النصوص القرآنية تعني شخص لا يحسن الكتابة والقراءة!! لكن هذا خطأ كبير جدًا؛ فالشخص الأمي، بحسب مفسري القرآن، هو ليس من لا يكتب ولا يقرأ، بل من ليس عنده كتاب، يعني وثني؛ أي ليس من اليهود أو النصارى.
ونرى هذا من تفسير الفقهاء المسلمين لعدة آيات قرآنية، مثل:
"وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" ( ال عمران : 20).
جاء في تفسير القرطبي :"الذين آوتوا الكتاب" "يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى"؛ أما "وَالأمِّيِّينَ"، أي الَّذِينَ لا كِتَاب لَهُمْ وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَب..." ( راجع : الجامع لأحكام القرآن – القرطبي – آل عمران :20 )
إذا "الاميين : الَّذِينَ لا كِتَاب لَهُمْ وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَب" وليس من لا يعرفوا القراءة !!!!!
وجاء في تفسير الطبري (الذي دعي إمام المفسرين):
"الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : "وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب وَالأِّميِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اِهْتَدَوْا" يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَالأمِّيِّينَ الَّذِينَ لا كِتَاب لَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب أَأَسْلَمْتُمْ ؟".
وجاء في سورة الجمعة 2: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ."
ونقل القرطبي ايضاً قولاً صحيحاً لابن عباس في تفسير لسورة الجمعة 2
" قَالَ اِبْن عَبَّاس : الأمِّيُّونَ الْعَرَب كُلّهمْ، مَنْ كَتَبَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَكْتُب، لأنهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَهْل كِتَاب" (الجامع لأحكام القران – القرطبي – تفسير سورة الجمعة :2).
إذا عبارة النبي الأمي، لا تعني إطلاقًا أنه لا يجيد القراءة، بل أنه بلا كتاب، أي مشرك، وهم يشكلون مُعظم العرب!!!
إذا أيضًا مفهوم كلمة "أمي" عند معظم المسلمين العاميين، هو مفهوم مغلوط؛ فهو شخص يحسن الكتابة والقراءة لكنه مشرك، أي ليس يهودي أو مسيحي. لذلك عبارة "ما أنا بقارئ" قد تعني ببساطة أنه رفض أن يقرأ أو يكتب بسبب خوفه من الملاك، ولا تعني بالضرورة أنه لا يحسن القراءة والكتابة!! فهي غير واضحة، ولا تعد دليل كافي على أميته (بحسب مفهوم الأمية اليوم أنه لا يقرأن ويكتب)؛ لكنه بالتأكيد كان أمي، كإنسان ليس من اليهود والنصارى.
الآيات: "11 فَقَالَ رَبْشَاقَى: «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَم؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ، لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟»" أشعياء 36.
الاعتراض: كيف ينقل كتاب مفترض أن يكون مقدسًا، كلمات بهذه الوساخة؟
الرد: إن الآية السابقة، ليس لها علاقة بقول الله أو بأمر الله، بل هي نقلا لقول الملك المعادي لشعب إسرائيل، وهو سنحاريب ملك أشور، كما يقول النص في أول الأصحاح:
"1 وَكَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا أَنَّ سَنْحَارِيبَ مَلِكَ أَشُّورَ صَعِدَ عَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا الْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا (أي حارب كل مدن يهوذا الحصينة واحتلها)" أشعياء 36
فيهدد سنحاريب، عن طريق قائده ربشاقى، الملك حزقيا وجميع سكان أورشليم. ويطلب منهم أن يستسلموا له، وإلا سيحاصرهم، كما تقول آية المعترض: "لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ"؛ أي سيجعلهم يأكلون برازهم من الجوع، ويشربون بولهم من قلة الماء. كطريقة أثيمة لتخويفهم وإسقاط عزائمهم.
فلا علاقة لله في هذا القول الساقط؛ الوحي ينقل قول قائد الملك سنحاريب الأثيم، ومن ثم ينقل قصاص الله له عليه؛ وذلك في الشرح الموسع، كما يلي:
شرح موسع:
الرب طبعًا سمح لشر ملك أشور من أن ينال من شعب إسرائيل؛ بسبب ابتعادهم عنه، وتقديسهم للأوثان. وبعدما لا يعدل الملك سنحاريب عن محاربة مملكة يهوذا، فيقول الوحي:
"2 وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ رَبْشَاقَى مِنْ لاَخِيشَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ، فَوَقَفَ عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ" أشعياء 37.
فتاب وصلى الملك حزقيا إلى الرب، فأرسل له الرب أشعياء النبي، ليشدده، ويطمنه قائلا:
"33 لِذلِكَ هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ عَنْ مَلِكِ أَشُّورَ: لاَ يَدْخُلُ هذِهِ الْمَدِينَةَ، وَلاَ يَرْمِي هُنَاكَ سَهْمًا، وَلاَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا بِتُرْسٍ، وَلاَ يُقِيمُ عَلَيْهَا مِتْرَسَةً... (بعدها الرب نفسه يضرب أشور وجيشه) 36 فَخَرَجَ مَلاَكُ الرَّبِّ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةً وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا. فَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحًا إِذَا هُمْ جَمِيعًا جُثَثٌ مَيِّتَةٌ" أشعياء 37.
(جميع النص السابق مكرر في 2 ملوك 18 و19)
باسم أدرنلي
الآيات: "7 مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ"
مقارنة بمزمور 145 "17 الرَّبُّ بَارٌّ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ"
أيضًا حبقوق 1 "13 عَيْنَاكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ..."
الاعتراض: كيف يخلق الله الشر بحسب أشعياء 45، وهو بار في كل طرقه بحسب مزمور 145، وعيناه أطهر من أن تنظران الشر، بحسب حبقوق، فكيف يخلقه؟ أي تضارب وتناقد هذا؟؟
الرد: للرد على هذا التساؤل، نحتاج أن نبين الآتي:
أولا: إن الإشكالية الكبرى هنا تأتي من ترجمة كلمة "شر" "رَعْ רע" في آية أشعياء 45: 7؛ وفي الحقيقة تعني في النصوص أمرين: شر بمعنى مصائب، ضيقات، أو بمعنى شيء رديء. لكنها لا تعني الشر بمعنى الخطية، مثل كلمة "ريشع רשע". فكلمة ريشع تعني الشر أي الاثم والخطية؛ وكلمة رَعْ، تعني الرديء أو الشر بمعنى المصائب؛ وليس بالضرورة الشر بمعنى الخطية. مثلا: "وَفِي السَّلَّةِ الأُخْرَى تِينٌ رَدِيءٌ" (إرميا 24: 2). كلمة "رديء" هنا هي نفس الكلمة. وكلمة الشر، في معظم النصوص تعني المصائب، الضيقات، الألم، المعاناة. كالذي اصاب أيوب "أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟" (أيوب 2: 10). فالذي أصاب أيوب هو ليس شر بمعنى الخطية، بل شر بمعنى المصائب. ففي معظم النصوص يتردد المعنى بين هاذان المعنيان.
ثانيًا: يبقى هنا قضية تفسير المقصود بأن الله "خالق الشر"؛ وهنا نحتاج أن نرجع لشجرة معرفة الخير والشر؛ كلمة الشر هنا، هي أيضًا "رَعْ רע" وليس "ريشع רשע"، أي الاثم والخطية كما يفهمها الكثير من الوعاظ. وهنا تفسير أن الله خلق الشر، أي الرديء، هو أن الله خلق الإنسان وهداه إلى طريق الخير؛ لكن خلق له الإمكانية للخيار الذي ليس بحسب مشيئته، الأخذ من شجرة الخير والشر. أي خلق احتمالية ترك الرب وبالتالي ترك الخير عن طريق الأخذ من شجرة الخير والشر التي خلقها الله له (خالق الشر). كما قال الله لموسى: "19 أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" تثنية 30. فهذا الركن الله أسسه في الخليقة، من خلال الأخذ من شجرة معرفة الخير والشر، وهنا معنى أن الله خالق الاحتمال الرديء للإنسان، وهو ترك الرب والحياة، اختيار الـ "رَعْ רע".
ثالثًا: الله يعمل الشر، أي الرديء، لكن لا يعمل الخطية. القصد من هذا، هو أن الله ممكن أن ينزل تأديب وقضاء على حياة الإنسان، دائمًا لهدف صالح طبعًا، لكي يحثه على التوبة والرجوع إليه، ليحيى. كما قال: "إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ (أي الأثيم – "رَشَع" وليس "رَعْ")، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا" (حزقيال 33: 11). فالله ممكن بحسب الآية أن يعمل ما ليس بحسب مشيئته وإرادته، وهو أن يهلك الكثير من الناس في جهنم، ويرى هذا مُحزن ورديء في عينيه، لكنه لا يفعل الخطية، بمعنى الاثم. إذا ممكن أن نعرِّف الـ "رديء - رَعْ - רע" هنا أنه كل سلوك ليس بحسب مشيئة الله، فليس مشيئة الله أن يعاقب البشر ويهلكهم. فالله يعمل الرديء الذي ليس بحسب مشيئته، لكنه لا يفعل الخطية. مثل الأب الصالح، عندما يؤدب ابنه، هذا ليس جيد في عينيه ولا مُفرح، بل رديء؛ لكنه يحتاج أن يفعله لكي يحقق الصالح في حياته.
باسم ادرنلي
الآيات: "18 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللهُ. مُصَوِّرُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلاً. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ"
مقارنة مع تكوين 1 "2 وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ."
الاعتراض: كيف يقول في تكوين أن الأرض كانت خربة وخالية، وفي أشعياء يقول أن الله لم يخلقها "باطلا"، وهي نفس الكلمة المستخدمة في تكوين "خربة"؟؟
الرد: إن الكلمة المستخدمة في الآيتين فعلا نفس الكلمة "תֹ֙הוּ֙" "توهو" وتعني خربة، وهي نفس الكلمة المترجمة في آية أشعياء "باطلا".
في الحقيقة لا يوجد أي تناقض بين الآيتين، ففي آية تكوين، يظهر الله مراحل الخلق، من البداية التي فيها كانت الأرض خربة، إلى أن أصحبت جنة النعيم؛ حيث قال عنها الله بعد خلق كل ما فيها من البحار، الأنهر، النباتات، الكائنات، والبشر: "31 وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا..." تكوين 1. وهذا مطابق لآية أشعياء، التي تؤكد أن الله لم يخلق لكي تكون خربة الملايين من الكواكب الأخرى، بل لكي يسكن بها البشر ويعمروها: "لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلاً. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا (أي لسكن البشر صنعها)". كما أكد الله لآدم في سفر التكوين، أن دوره هو ليحفظها ويعمرها: "15 وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا" تكوين 2. أي أن الآيتين تؤكدان على أن الله لم يخلق الأرض لتكون خربة وخالية؛ بل لكي يسكن بها الإنسان، ويحفظها ويعمرها؛ فلا يوجد أي أدنى تناقض بين الآيتين!!
باسم ادرنلي
الآيات: "2 لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ."
مقارنة مع لوقا 4 " 19 وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». 20 ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ".
الاعتراض: لماذا لم ينقل الوحي الآية في لوقا بشكل دقيق، فهنا من المفترض أن يكون المسيح قرأها، ويجب أن تكون دقيقة كما كتبت!؟
الرد: إن الوحي لم يخطئ في نقل الآية، ولا المسيح أخطأ في قراءتها؛ لكن اقتطع المسيح الشطر الثاني منها. فالمسيح كان هدفه أن يقول لهم: "21 ...إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ". فالمناداة بسنة الرب المقبولة، قد تمت بالمسيح وقتها كما قال لهم المسيح؛ أما يوم الانتقام، وهو يوم الدينونة العظيم، فلم يتم بعد إلى هذا اليوم. لهذا لم يكمل المسيح الآية؛ ولذلك تعجب الحاضرين، كما تقول الآية أعلاه " وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ".
باسم ادرنلي
الآيات: "16 لأَنَّ الرَّبَّ بِالنَّارِ يُعَاقِبُ وَبِسَيْفِهِ عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، وَيَكْثُرُ قَتْلَى الرَّبِّ"
الاعتراض: هل يعقل أن يروج "الله" هذا الإجرام والسيف والقتل؟
الرد: إن النص يبرهن عكس تمامًا اعتراض المعترض. فسياق الآيات التي قبله، هو افتقاد ورد الله لشعبه اللتئب من إسرائيل؛ والتي تمثل أيضًا رد الله لكل إنسان تائب قبل أهوال يوم الدينونة العظيم:
"13 كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا، وَفِي أُورُشَلِيمَ تُعَزَّوْنَ 14 كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا، وَفِي أُورُشَلِيمَ تُعَزَّوْنَ" أشعياء 66.
بعد هذه الصورة الجميلة لرد التائبين؛ كصورة كمفارقة شنيعة صعبة على الذين لا يتوبون ويصرون على طريقهم الشرير، يحذرهم الله من العاقبة يوم الدين:
"15 لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ بِالنَّارِ يَأْتِي، وَمَرْكَبَاتُهُ كَزَوْبَعَةٍ لِيَرُدَّ بِحُمُوٍّ غَضَبَهُ، وَزَجْرَهُ بِلَهِيبِ نَارٍ (كناية للعقاب الأبدي). 16 لأَنَّ الرَّبَّ بِالنَّارِ يُعَاقِبُ وَبِسَيْفِهِ عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، وَيَكْثُرُ قَتْلَى الرَّبِّ. (آية المعترض)" أشعياء 66
فالنص يشبه تعبير "قتلى الرب" للهالكين هلاكًا أبديًا في جهنم. مما يبرهن عكس نقطة المعترض. أن الله لم يجد تشبيهًا أبشع من جريمة القتل، ليشبه به هلاك الأشرار في جهنم. فالله لا يروج القتل ولا شيء كهذا؛ بالعكس تمامًا، في هذا النص النبوي الرمزي، يشبه الهالكين في جنهم بالقتلى، ليبرز مدى شناعة الحالة.
باسم أدرنلي